بســـم الله الرحـــمــن الـــرحـــــيم الـصـور لا تــكـذب أبــــداً
بســـم الله الرحـــمــن الـــرحـــــيم الـصـور لا تــكـذب أبــــداً بعد قراءتك لهذا الموضوع سوف تصبح شـــــاهد عيــــان وسيتــــم اخذ أقـــــــــوالك لاحقاً... فكن مستعداً ... -1- هيا بنا ننطلق سريعاً لشـــــرفة منزلك أنظــــــــر للقمــــر ... و تــــــــأمل معى روعته يهيم الإنسان فى المشهد الشاعرى للقمر ... طيب اسمعنى .. وانت تتأمل ... فى العصر الحديث بعد ان هبط اول أنسان على سطح القمر عام 1969 وبعد العديد من الأبحاث على التربة و صور الأقمار الصناعية أكتشفت Nasaأن القمر كان جسم مشتعل وسطحه مغطى بالبراكين و الحمم ... ولكنه برد Nasa منذأكثر من 1431 عام قال الله تعالى {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَـــــحَوْنــــــــَا آيـــــــَةَ اللّـــــــَيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً} [الإسراء: 12] التفسير و الإعجاز روى الإمام ابن كثير في تفسيره أن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال فى هذه الأية: "كان القمر يضيء كما تضيء الشمس، وهو آية الليل، ولكنه أنطفأ " رسالة يا مايكــــل .. يا كوهين ... يا جيفارا هل كان أيام الرسول (ص) سفن فضاء تهبط على القمر أم كان الصحابة من رواد الفضاء -2- يبدو أنا الأمطار بدأت فى التساقط فى العصر الحديث عام 1827 م اكتشف عـــالم بريطاني اسمه بـــــراون أن ماء المطر إذا نزل على التربةأحدث بها اهتزازات تهتز معها حبيبات التربة ... وهذا لان المطر يسبب شحنات كهربائية عندما يختلط بالتربة ....فتتباعد الحبيبات عن بعضها و تتحرك مما يسمح بدخول الماء بين أجزاء التربة لكى تنمو النباتات لكن منذ 1400 عام قال تعالى ( وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةًفَإِذَا أَنزَلْنَـــا عَلَيْهَــــــا الْمــــــــَاء اهْتَـــــــــــزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ) سورة الحج . التفسير و الإعجاز سبحان الله ... هل ترى الدقة فى أختيار لفظ أهتزت .... الأن فقط بعد أكثر من 14 قرن أستطعنا ان نفهم ما معنى اهتزت الأرض من المطر رسالة إلى من يدعى الفهم ... من علم راعى الغنم هذه الأسرار ؟ ><><><><><><><<><><><><>< -3- الأن سأختبرك .. إختبار بسيط أنا أستطيع تحديد عمرك من قوة أنفاسك أمسك هذه البالونة و قم بنفخها لو قلت لك أن السماء مثل البالونة تتسع و تتمدد بأستمرار .. هل تصدقنى هناك دليلين فى العصر الحديث عام 1929 حدثت ضجة كبيرة عندما اكتشف العلماء ان الكون يتسع و يتمدد ... وحجمه غير ثابت .. لم يتخيلوا هذا أبداً لكن منذ أكثر من1431 عام قال الله تعالى ( وَالسَّـمَــــــاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُـــــــــوسِـــعُــــونَ ) التفسير و الأعجاز الأية لا تحتاج لتفسير ... المعنى واضح جداً جداً .... السمــــــــاء تـتســـــــــع لو كان هذا القرآن من خيال الرسول ما الذى يدفعه لأن يقول لرجل من عصر الجاهلية ان السماء تتسع ... بالطبع سيتهمــــه بالجــنـــون -4- من فضــــــــلك أمــسك بهذه العدســـــــة المـــــــكبـــــــرة قربها من أصبعــــــــك ... ماذا تــــــــــــرى ؟ هذه الخطوط الدقيقة ..هى البصمـــــــة دعنـــــــى أوضـــــح لك في عام 1892 أثبت الدكتور "فرانسيس غالتون" (Francis Galton) أن هذه هى خطوط البصمة و التى تختلف من أنسان لأخر .. ولا يمكن أن تتشابه منذ أكثر من1431 عام قال تعالى {أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ * بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَـــــــانَــــــــــهُ} [القيامة: 1-4] التفسير و الإعجاز البنـــــــــان : أطراف الأصابع (مكان البصمة ) لقد أنكر الكفار أن يجمع الله عظام الانسان .... فرد عليهم رب العالمين انه قادرعلى جمع طرف الأصبع بما فيه من تفاصيل دقيقة( البصمة )... وهى ليس بشئ سهل لأنها تختلف من انسان لأخر -5- هذه الحفرة ذكرتنى بشئ عجيب هل تعرف ما هى اخفض منطقة العالم فى العصر الحديث أثبتت الصور الجغرافية .. أنها تلك المنطقة بقرب البحر الميت في فلسطين حيث تنخفض عن سطح البحربعمق (392)متراً لكن منذ أكثر من1431 عام قال الله تعالى الم * غُلِبَتِ الـــــــــرُّومُ* فِي أَدْنَــــــــــى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * التفسير و الأعجاز قالت كتب التاريخ و التفسير ان معركة الروم و فارس دارت فى منطقة بين الأردن و فلسطين ... لذا قال الله ( أدنى الأرض ) لانها أكثر منطقة أنخفاضاً يا رســــول الله قالوا عنك شاعر ... فهل من وحى الشعراء أن تحدد أخفض منطقة فى العالم لكى تكمل بها بيت القصيدة -6- هيــــــــــا ... أرتــــــدى هــــذه النـــــــظــــــــارة فى العصر الحديث أكد العلماء الأتى 1-البحار المالحة لا تختلط مع بعضها .. فيوجد بينهم حاجز لا يمكن أن تراه ... هذا الحاجز هو كثافة ماء كل بحر و التى تمنع اختلاطه بالبحر الأخر .. 2-البحر المالح و النهر العذب أيضا لا يختلطان أبداً . بسبب اختلاف كثافة الماء إضاءة : لكى تفهم معنى الكثافة ... ضع بعض الزيت على كوب ماء ... تجد الزيت يطفو فوق الماء و لا يختلطان بسبب أختلاف كثافتهم منذ أكثر من1431عام قال الله تعالى 1-البحار المالحة مَرَجَ الْبَحْـــــــرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ* بَيْنَهُمَا بـــــــــــَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُوَالْمَرْجَانُ} [الرحمن: 19-22]. 2-البحر المالح و النهر العذب وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْــــــــرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَــــــــــرْزَخًــــــــاوَحِجْرًا مَحْجُورًا} [الفرقان: 53]. تفسير و أعجاز بـــــرزخ : معناها حـــــــــاجز سبحان الله .... لقد اخبرنا المولى أن البحار لا تختلط ... وكذلك النهر و البحر ... كل منهم له مياة ذات طبيعة خاصة ... ويفصل بينهم حواجز لا نراها .. انها حواجز الكثافة رسالة يا من تريد ان تــــرى عصــى مـوســـى تتحرك حتى تؤمن .... إلا يكفيك أية واحدة من القران من فضلك أعد النظر لهذه الصورة إضاءة :مثال على هذه المعجزة المستمرة حتى الآن نذهب بك الى مصر تحديدا مدينة رشيد حيث يلتقي نهر النيل مع البحر المتوسط وصورة بالقمر الصناعي مباشر على هذا الرابط -7- صوم الايام البيض فى العصر الحديث أكتشف بعض العلماء .. ومنهم العالم الامريكى الدكتور ليبـــــــرعــــــالم الــــنـــفـــــس بميامي في الولايات المتحدة أن القمـــــــر يؤثر بشكل كبير جداً على الأنســـان ... خصوصاً فى أيام اكتماله .. يوم 13 و 14 و 15 وهذا بسبب أن جسم الانسان 80% منه ماء ... وقوة جاذبية القمر تكون شديدة فى أيام أكتماله... مما يؤثر على الانسان و سلوكه و حالته المزاجية .. طبعاً دراسات علماء الغرب لم تكن لتوضيح حكمة الصيام لهذه الأيام .. فهى دراسة مطولة جداً لتأثير القمر على الأنسان ... وما يخصنا منها هو الجزء المتعلق بيوم 13 و 14 و 15 ... إضاءة : القمر هو السبب فى المد و الجزر .. لانه يجذب ماء البحار .... وبنفس الطريقة يؤثر على الماء فى اجسامنا منذ أكثر من 1431 سنة قال الرسول (ص) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : أوصاني خليلي بثلاث : صيــــــام ثلاثة أيام من كل شهر ، وركعتي الضحى ، وأن أوتر قبل أن أنام . حديث صحيح التفسير و الاعجاز لم نكن نعرفلماذا أيام 13 – 14 – 15 بالتحديد التى أمرنا الرسول (ص) بالصيام فيها الأن فهمنــــــــا ان الصوم سيحكم سلوك الانسان و يجعله أكثر أستقرار و هدوء خصوصاً من لديهم ميول للأكتئاب ... ولن تؤثر عليه جاذبية القمر لينعم بحياته رسالة حبيبى يا رسول الله ... اتهمك الكفار بالجنون .. والعلم يثبت اليوم أنك أعظـــــــم طبيب نفســـــــى ... لأنه تلقى الوحى من خالق النفس -8- صــــــــــوت طفــــــل رضيـــع يضـــــحك فى العصر الحديث أكتشف العلماء أن بول الرضيع الذكر بيكون نسبة البكتريا فيه قليلة جداً ... لكن بول الرضيع الأنثى بيكون نسبة البكتريا أكثر بكثير جداً من الذكر الأنثى الرضيعة .... عدد البكتريا فى عينة البول 42 الذكر الرضيع ... عدد البكتريا فى عينة البول 2 فقط لكن منذ أكثر من 1431 عام قال الرسول (ص) عليه وسلم 1- عن أم قيس بنت محصن: ”أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام إلى النبي صلى الله عليه وسلم فبــــال على ثوبه فدعا بماء صلى الله عليه وسلم فنــــضحه ولم يغســــله“ رواه البخاري ومسلم وابو داود وأحمد. 2-”بول الغلام الرضيع يُنضح وبول الجارية يُغْسَل“ رواه الإمام أحمد, 3-”إنما ينضح من بول الذكر ويغسل من بول الأنثى“رواه أحمد وأبو داود الأعجاز و التفسير الأحاديث و اضحة فلقد أمرنا الرسول (ص) بغسل بول الأنثى... ونضح بول الذكر .. فمن اوحى له بأن بول الأنثى ملوث و يجب غسله بالماء .... انه ربى خالق الانثى و الذكر رسالة بالطبع لم يستوعب الصحابة الحكمة الكاملة من هذا الأمر ولكنهم أطاعوا الرسول (ص) ..... ونحن فهمنا الأن ... وللأسف يا ليتنـــــــا نملك 1% من إيمان الصحابة ><><><>< -9- فى العصر الحديث أكتشف العلماء طريقة تكوين اللبن فى الأبقار .... حيث يتكون اللبن من العلف و الطعام الذى يوجد فى بطن البقرة ... ثم تنتقل هذه المواد الى الضرع ويضاف إليها مواد اخرى من الدم مثل الجلكوز و البروتينات ..ليتكون فى النهاية اللبن ... لكن منذ أكثر من1431 سنة قال تعالى (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّــا فــــِي بــطُـونِهِ مِن بَيْنِ فَــــرْثٍ وَدَمٍ لَّبَناً خَالِصاً سَآئِغاً لِلشَّارِبِينَ )النحل66صدق الله العظيم. التفسير و الأعجاز فــــــرث : معناها الطعام و العلف الموجود فى البطن سبحان الله .....ما أكتشفه العلماء حديثاً ... تخبرنا الأية وبنفس الدقة ان تكوين اللبن من مواد فى العلف و الدم معاً رسالة للأسف فى هذه الأيام بيننا عقول بشر مثل البقر .. لأنهم لو تدبروا أية واحدة ما كان هذه حــــــال المسلمين الأن أنت أصبحت شاهد عيان ... على عجائب قدرة الله و معجزات كتابه فهل تجدد معى الشهـــــــادة بذلك من فضلك اكتب هذه الجملة ( أشهد يا الله أنك لا إله إلا أنت .. وأن محمد عبدك و رسولك قد بلغ الرسالة و أدى الأمانة ) __._,_.___
3 juil. 2010
قوتي تكمن في و ليس في الآخر
قوتي تكمن في و ليس في الآخر
كان هناك رجل سقا ( حامل جرَّة الماء ) يعيش في الهند. اعتاد أن يحمل جرتيه المثبتتين في طرفي عصاه الطويلة التي يحملها خلف رقبته، بحيث تتدلي جرة ناحية الكتف الأيسر والأخرى ناحية الكتف الأيمن. وكانت احدي الجرتين بها شرخ يؤدي إلي تسرب الماء منها كلما ملأها بالماء . فكان كل...ما خرج ليملأ جرتيه من البئر، يعود إلي بيت سيده بحمولة جرة ونصف، لأن الماء يكون قد تسرب من الجرة المشروخة وانسكب على طول الطريق من البئر إلى البيت. وكانت الجرة السليمة تعاير الجرة المشروخة بهذا العيب الكبير الذي فيها، حتى شعرت الجرة المكسورة بمرارة شديدة في داخلها، بسبب عدم قدرتها على القيام بواجبها على أكمل وجه. ظل الحال هكذا لمدة عامين والجرة المكسورة يزداد لديها الإحساس بالنقص وصغر النفس، وأخيرا قررت أن تتكلم مع السقا……… فقالت له: ” إنني أشعر بالخجل والخزي، وأريد أن أقدم لك اعتذاري “. فسألها السقا باندهاش: “علام تعتذرين ؟؟!” فقالت له الجرة المشروخة : ” على هذا العمل الناقص الذي أقوم به ، فبسبب الشرخ الموجود في .. أنا لا أستطيع أن أحتفظ بالماء كاملا في داخلي، بل ينسكب نصفه على الطريق .. فأنت تبذل كل الجهد، ولا تأخذ أجرتك كاملة “. أحس السقا بمشاعر الجرة المكسورة، وفي كلمات حانية قال لها: ” في طريق عودتنا من البئر إلي بيت السيد، أنظري تحتك إلى تلك الزهور الجميلة التي تنبت على طول الطريق “. وبالفعل نظرت الجرة كما نصحها السقا، فلاحظت أن الطريق كله مملوء بزهور جميلة ذات ألوان خلابة تنمو على طول الطريق من البئر إلى بيت السيد، ففرحت لوقتها.. و لكنها سرعان ما عاد لها الشعور بالخزي بسبب الماء الذي ينسكب منها على الطريق وراحت تعتذر للسقا الذي بادرها قائلا: “هل لاحظت أن تلك الزهور الجميلة. تنمو فقط في جانبك أنت. ولا تنمو في الجانب الآخر الذي به الجرة السليمة؟ هذا لأنني من البدء لاحظت هذا الشرخ ( العيب ) الذي تعانين منه. فقررت أن أستفيد منه بأن أغرس بعض البذور التي تنبت زهورا جميلة وخلابة على طول الطريق من البئر إلى بيت السيد، كان ماؤك ينسكب على البذور حتى نمت وصارت زهورا جميلة وخلابة. وأنا أقطف منها كل يوم لأزين بها بيت سيدي منذ أن بدأت بالعمل هنا. فبدون هذا الشرخ الذي فيك، ما استطعت أن أجمل بيت السيد بتلك الزهور الجميلة. نعم .. فكل منا به شرخ أو نقص معين، كتلك الجرة المشروخة . و لكن، بسبب نعمة الله الغنية العاملة فينا، فان شروخنا ونقائصنا. تتحول إلى أمور نافعة، عندما يتعامل الله معها. +
كان هناك رجل سقا ( حامل جرَّة الماء ) يعيش في الهند. اعتاد أن يحمل جرتيه المثبتتين في طرفي عصاه الطويلة التي يحملها خلف رقبته، بحيث تتدلي جرة ناحية الكتف الأيسر والأخرى ناحية الكتف الأيمن. وكانت احدي الجرتين بها شرخ يؤدي إلي تسرب الماء منها كلما ملأها بالماء . فكان كل...ما خرج ليملأ جرتيه من البئر، يعود إلي بيت سيده بحمولة جرة ونصف، لأن الماء يكون قد تسرب من الجرة المشروخة وانسكب على طول الطريق من البئر إلى البيت. وكانت الجرة السليمة تعاير الجرة المشروخة بهذا العيب الكبير الذي فيها، حتى شعرت الجرة المكسورة بمرارة شديدة في داخلها، بسبب عدم قدرتها على القيام بواجبها على أكمل وجه. ظل الحال هكذا لمدة عامين والجرة المكسورة يزداد لديها الإحساس بالنقص وصغر النفس، وأخيرا قررت أن تتكلم مع السقا……… فقالت له: ” إنني أشعر بالخجل والخزي، وأريد أن أقدم لك اعتذاري “. فسألها السقا باندهاش: “علام تعتذرين ؟؟!” فقالت له الجرة المشروخة : ” على هذا العمل الناقص الذي أقوم به ، فبسبب الشرخ الموجود في .. أنا لا أستطيع أن أحتفظ بالماء كاملا في داخلي، بل ينسكب نصفه على الطريق .. فأنت تبذل كل الجهد، ولا تأخذ أجرتك كاملة “. أحس السقا بمشاعر الجرة المكسورة، وفي كلمات حانية قال لها: ” في طريق عودتنا من البئر إلي بيت السيد، أنظري تحتك إلى تلك الزهور الجميلة التي تنبت على طول الطريق “. وبالفعل نظرت الجرة كما نصحها السقا، فلاحظت أن الطريق كله مملوء بزهور جميلة ذات ألوان خلابة تنمو على طول الطريق من البئر إلى بيت السيد، ففرحت لوقتها.. و لكنها سرعان ما عاد لها الشعور بالخزي بسبب الماء الذي ينسكب منها على الطريق وراحت تعتذر للسقا الذي بادرها قائلا: “هل لاحظت أن تلك الزهور الجميلة. تنمو فقط في جانبك أنت. ولا تنمو في الجانب الآخر الذي به الجرة السليمة؟ هذا لأنني من البدء لاحظت هذا الشرخ ( العيب ) الذي تعانين منه. فقررت أن أستفيد منه بأن أغرس بعض البذور التي تنبت زهورا جميلة وخلابة على طول الطريق من البئر إلى بيت السيد، كان ماؤك ينسكب على البذور حتى نمت وصارت زهورا جميلة وخلابة. وأنا أقطف منها كل يوم لأزين بها بيت سيدي منذ أن بدأت بالعمل هنا. فبدون هذا الشرخ الذي فيك، ما استطعت أن أجمل بيت السيد بتلك الزهور الجميلة. نعم .. فكل منا به شرخ أو نقص معين، كتلك الجرة المشروخة . و لكن، بسبب نعمة الله الغنية العاملة فينا، فان شروخنا ونقائصنا. تتحول إلى أمور نافعة، عندما يتعامل الله معها. +
1 juil. 2010
الدعوة في الإسلام
الدعوة إلى الله وأثرها في انتشار الإسلام
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره. ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله، واهتدى بهداه إلى يوم الدين. أما بعد:
فإني أشكر للمسئولين في الرابطة ما تكرموا به من تقديم الدعوة إلي للمشاركة في موسم الرابطة الثقافي لهذا العام 1391 هـ.
وأسأل الله عز وجل أن ينفع المسلمين بهذا الموسم، وأن يكلل جهود القائمين عليه بالنجاح. وأن يجزل لهم المثوبة، إنه خير مسئول. وقد رأى المسئولون في الرابطة أن تكون المحاضرة في (أثر الدعوة في انتشار الإسلام) وقد أجبتهم إلي ذلك، ورأيت أن يكون العنوان ما سمعتم وهو فضل الدعوة. ومن هذا يعلم أن هذه المحاضرة ذات شقين: أحدهما: يتعلق بفضل الدعوة، والثاني: يتعلق بأثرها في انتشار الإسلام.
أما ما يتعلق بفضل الدعوة، فكل من له أدنى إلمام بالعلم، يعرف أن الدعوة شأنها عظيم، وهي مهمة الرسل عليهم الصلاة والسلام، والرسل عليهم الصلاة والسلام هم الأئمة في هذا الشأن، وهم الأئمة في الدعوة، وهي وظيفتهم؛ لأن الله جل وعلا بعثهم دعاة للحق، وهداة للخلق عليهم الصلاة والسلام، فكفى الدعوة شرفاً، وكفاها منزلةً عظيمةً أن تكون وظيفة الرسل وأتباعهم إلى يوم القيامة. قال الله تعالى في كتابه المبين: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ واجتنبوا الطاغوت[1]، فبين سبحانه وتعالى أن الرسل جميعاً بعثوا بهذا الأمر العظيم الدعوة إلى عبادة الله وحده، واجتناب الطاغوت.
والمعنى أنهم بعثوا لدعوة الناس إلى إفراد الله بالعبادة، وتخصيصه بها، دون كل ما سواه، وتحرير الناس من عبادة الطاغوت، إلى عبادة الله وحده.
والطاغوت كل ما عبد من دون الله من شجر وحجر، أما ما عبد من دون الله من الأنبياء والصالحين والملائكة فليس المعبود منهم طاغوتاً، ولكن الطاغوت هو الشيطان الذي دعا إلى ذلك وزين ذلك، وإلا فالرسل والملائكة والصالحون يبرءون إلى الله عز وجل من عبادة من عبدهم. فالطاغوت كل ما عبد من دون الله من الجمادات، ومن العقلاء الذين يرضون بذلك كفرعون وأشباهه، أما من لا يرضى بذلك فالطاغوت هو الشيطان الذي دعا إلى عبادته وزينها.
وقال عز وجل: رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ[2]، فبين سبحانه وتعالى أن الرسل بعثوا مبشرين ومنذرين، مبشرين من أطاعهم بالنصر والتأييد والجنة والكرامة، ومنذرين من عصاهم بالخيبة والندامة والنار.
وفي بعثتهم إقامة الحجة، وقطع المعذرة، حتى لا يقول قائل ما جاءنا من بشير ولا نذير فالله سبحانه وتعالى بعث الرسل إقامة للحجة، وقطعاً للمعذرة، وهداية للخلق، وبياناً للحق، وإرشاداً للعباد إلى أسباب النجاة، وتحذيراً لهم من أسباب الهلاك عليهم الصلاة والسلام، فهم خير الناس وأصلح الناس، وأنفع الناس للناس، وقال جل وعلا: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا[3]، فأخبر سبحانه أنه بعث هذا الرسول الكريم محمداً عليه الصلاة والسلام شاهداً ومبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله، فعلم بذلك أن وظيفة الدعوة إلى الله هي تبليغ الناس الحق، وإرشادهم إليه، وتحذيرهم مما يخالفه ويضاده. وهكذا أتباعهم إلى يوم القيامة. مهمتهم الدعوة إلى الله وإرشاد الناس إلى ما خلقوا له، وتحذيرهم من أسباب الهلاك، كما قال عز وجل: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ[4]، فأمر الله نبيه أن يبلغ الناس أن سبيله التي هو عليها الدعوة إلى الله عز وجل، وهكذا أتباعه هم على ذلك.
والمعنى: قل يا محمد، أو قل يا أيها الرسول للناس: هذه سبيلي أنا ومن اتبعني. فعلم بذلك أن الرسل وأتباعهم هم أهل الدعوة، وهم أهل البصائر، فمن دعا على غير بصيرة فليس من أتباعهم، ومن أهمل الدعوة فليس من أتباعهم، وإنما أتباعهم على الحقيقة هم الدعاة إلى الله على بصيرة، يعني أتباعهم الكُمّل الصادقين الذين دعوا إلى الله على بصيرة، ولم يقصروا في ذلك، وعملوا بما يدعون إليه، وكل ما حصل من تقصير في الدعوة، أو في البصيرة كان نقصاً في الإتباع، ونقصاً في الإيمان وضعفاً فيه، فالواجب على الداعية إلى الله عز وجل، أن يكون ذا بصيرة، أي ذا علم، فالدعوة على جهل لا تجوز أبداً، لأن الداعية إلى الله على جهلٍ يضر ولا ينفع، ويخرب ولا يعمر، ويضل ولا يهدي، فالواجب على الدعاة إلى الله سبحانه وتعالى التأسي بالرسل بالصبر والعلم والنشاط في الدعوة: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ[5]، فالدعوة إلى الله عز وجل هي سبيل الرسل وطريقهم عليهم الصلاة والسلام، وفي ذلك غاية الشرف والفضل للدعاة أتباع الرسل، المقتدين بهم، السائرين على منهاجهم عليهم الصلاة والسلام، ومن شرط ذلك أن يكون الداعية على بصيرة وعلم وبينة، بما يدعو إليه، ومما يحذر منه حتى لا يضر الناس، وحتى لا يدعو إلى ضلالة وهو لا يدري، أو يدعو إلى باطل وترك حق وهو لا يدري، حتى يكون على بينة ليعرف ما يدعو إليه، وما يدعو إلى تركه.
وقال عز وجل: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ[6]، هذا الأمر العظيم وإن كان موجهاً إلى الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم، فهو أمر للأمة جميعاً، وإن خوطب به النبي صلى الله عليه وسلم فهو الأصل والأساس، وهو القدوة عليه الصلاة والسلام، ولكنه مع ذلك موجه للأمة جميعاً، لأن القاعدة الشرعية أن أمته تابعة له في الأمر والنهي إلا ما دل الدليل على أنه خاص به عليه الصلاة والسلام، فالدعوة إلى الله فرض كفاية على الجميع، وواجب على الجميع، قال الله جل وعلا: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا[7]، فعلى المسلمين أن يتأسوا بنبيهم عليه الصلاة والسلام في الدعوة إلى الله، والتوجيه إليه، وإرشاد العباد إلى أسباب النجاة، وتحذيرهم من أسباب الهلاك، وفي هذه الآية العظيمة بيان كيفية الدعوة وأسلوبها ونظامها وما ينبغي للداعي أن يكون عليه: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ[8]، قال جماعة من علماء التفسير: معنى ذلك: بالآيات والأحاديث، يعني ادع إلى الله بآيات الله وبسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام. لما فيها من الحكمة، ولما فيها من الفقه والردع والبيان والإيضاح، والكلمة الحكيمة هي التي فيها الردع عن الباطل، والتوجيه إلى الخير، وفيها الإقناع والتوجيه إلى ما فيه السعادة.
فالداعي إلى الله جل وعلا، ينبغي له أن يتحرى في دعوته ما يقنع المدعو، ويوضح الحق، ويردعه عما يضره، بالأسلوب الحسن الطيب، اللين الرقيق، ولهذا قال بعده: وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ، فليكن الداعي ذا حكمة، وذا موعظة حسنة، عند الحاجة إليها، فهو يوضح الحق ويبينه، ويرشد إليه بالآيات والأحاديث الواضحة البينة الصحيحة، حتى لا يبقي شبهة للمدعو.
ومن الحكمة إيضاح المعنى وبيانه بالأساليب المؤثرة التي يفهمها المدعو، وبلغته التي يفهمها حتى لا تبقى عنده شبهة، وحتى لا يخفى عليه الحق بسبب عدم البيان، أو بسبب عدم إقناعه بلغته، أو بسبب تعارض بعض الأدلة وعدم بيان المرجح، فإذا كان هناك ما يوجب الموعظة وعظ وذكر بالآيات الزواجر، والأحاديث التي فيها الترغيب والترهيب، حتى ينتبه المدعو ويرق قلبه وينقاد للحق، فالمقام قد يحتاج فيه المدعو إلى موعظةٍ وترغيبٍ وترهيب على حسب حاله، وقد يكون مستعداً لقبول الحق، فعند أقل تنبيه يقبل الحق، وتكفيه الحكمة، وقد يكون عنده بعض التمنُّع وبعض الإعراض فيحتاج إلى موعظة وإلى توجيه، وإلى ذكر آيات الزجر والترغيب وأحاديث الزجر والترغيب والترهيب حتى يلين قلبه، ويقبل الحق.
وقد يكون عنده شبه فيحتاج إلى جدال بالتي هي أحسن. حتى تزاح الشبهة، ويتضح الحق ولهذا قال جل وعلا: وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ[9]. فإذا كان المدعو عنده بعض الشبه. فعليك أيها الداعي أن توضح الحق بدلائله. وأن تزيح الشبهة بالدلائل التي تزيحها، حتى يبقى معك المدعو على أمر بين واضح، وليكن هذا بالتي هي أحسن؛ لأن العنف والشدة قد يضيعان الفائدة. وقد يقسو قلب المدعو بسبب ذلك ويحصل له به الإعراض والتكبر عن القبول فعليك بالرفق والجدال بالتي هي أحسن حتى يقبل منك الحق، وحتى لا تضيع الفرصة. وتذهب الفائدة سدى. بسبب العنف والشدة، ما دام صاحبك يريد منك الحق. ولم يظلم ولم يتعد. أما عند الظلم والتعدي فله نهج آخر. وسبيل آخر، كما قال جل وعلا: وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ[10]، فإذا كان أهل الكتاب يجادلون بالتي هي أحسن، فالمسلمون من باب أولى أن يجادلوا بالتي هي أحسن، لكن من ظلم ينتقل معه إلى شيء آخر، فقد يستحق الظالم الزجر، والتوبيخ، وقد يستحق التأديب والسجن، إلى غير ذلك على حسب ظلمه.
والآيات في فضل الدعوة، والحث عليها كثيرة، ولكن من أهم ذلك وأوضحه ما بينا. ومن هذا قوله سبحانه وتعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ[11]، ففي هذه الآية الكريمة بيان أنه لا أحسن قولاً ممن دعا إلى الله، وفي ذلك غاية الحث على الدعوة، وغاية التحريض عليها، إذا كان لا أحسن قولاً. ممن دعا إلى الله، فحقيق بالمؤمن.
وحقيق بطالب العلم أن يبادر ويسارع إلى هذا المقام العظيم، مقام الرسل عليهم الصلاة والسلام، وهو الدعوة إلى الله والإرشاد إلى دينه الحق، وهذه الطائفة رأسها وأئمتها الرسل عليهم الصلاة والسلام، وهم أحسن الناس قولاً، وهم أئمة الهدى والدعوة، وهم أولى الناس بالدخول في هذه الآية الكريمة؛ لأنهم القدوة والأساس في الدعوة إلى الله عز وجل عليهم الصلاة والسلام.
وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ[12]، هذه الآية العظيمة تبين لنا أن الداعي إلى الله عز وجل ينبغي أن يكون ذا عمل صالح يدعو إلى الله بلسانه، ويدعو إلى الله بأفعاله أيضاً، ولهذا قال بعده: وَعَمِلَ صَالِحًا، فالداعي إلى الله عز وجل يكون داعية باللسان، وداعية بالعمل، ولا أحسن قولا من هذا الصنف من الناس، هم الدعاة إلى الله بأقوالهم الطيبة. وهم يوجهون الناس بالأقوال والأعمال. فصاروا قدوة صالحة في أقوالهم وأعمالهم وسيرتهم. وهكذا كان الرسل عليهم الصلاة والسلام، دعاة إلى الله بالأقوال والأعمال والسيرة، وكثير من المدعوين ينتفعون بالسيرة أكثر مما ينتفعون بالأقوال ولاسيما العامة وأرباب العلوم القاصرة، فإنهم ينتفعون من السيرة والأخلاق الفاضلة والأعمال الصالحة ما لا ينتفعون من الأقوال التي قد لا يفهمونها، فالداعي إلى الله عز وجل من أهم المهمات في حقه أن يكون ذا سيرةٍ حسنة وذا عملٍ صالح وذا خلقٍ فاضل حتى يقتدى بفعاله وأقواله وسيرته. وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ[13]، يعني الداعي يصرح بما هو عليه ويبين أنه على المنهج الأسمى، على الحق، يقول هذا معتزاً به فرحاً به مغتبطاً به، لا مرائياً ولا مفاخراً ولكنه مبين للحق، يقول: إني على صراط مستقيم، أنا من المسلمين، لست نصرانياً ولا يهودياً ولا وثنياً ولكنني مسلم حنيف أدعو إلى الله على بصيرة، أدعو إلى ديني، أدعو إلى الحق، ويقول هذا عن اغتباط، وعن سرور، وعن اعتراف صادق، وعن إيمان بما يدعو إليه، حتى يعلم المدعوون أنه على بينة، وأنه على طريق واضح ومنهج صحيح، وأنه إذا دعا إلى الإسلام فإنه يدعو إليه وهو من أهله، ليس يدعو إليه وهو من غير أهله، بل هو يدعو إليه وهو عليه آخذ به ملتزم به. وكثير من الدعاة قد يدعون إلى شيءٍ وهم على خلافه، لكن دعوا إليه إما لمالٍ أخذوه وإما رياءٍ وإما لأسبابٍ أخرى، لكن الداعي الصادق إلى الله يدعوا إلى الإسلام؛ لأنه دينه، ولأنه الحق الذي لا يجوز غيره، ولأنه سبيل النجاة وسبيل العزة والكرامة، ولأنه دين الله الذي لا يرضى سواه سجانه وتعالى. فهذه الآية العظيمة فيها الحث والتحريض على الدعوة إلى الله عز وجل وبيان منزلة الدعاة، وأنهم أحسن الناس قولاً إذا صدقوا في قولهم وعملوا الصالحات، وهم أحسن الناس قولاً، ولا أحد أحسن منهم قولاً أبداً، وعلى رأسهم الرسل عليهم الصلاة والسلام، ثم أتباعهم على بصيرة إلى يوم القيامة.
ومن الدعاة إلى الله الداخلين في هذه الآية المؤذنون فإنهم دعاة إلى الله ينادون على رءوس الأشهاد بتكبير الله وتعظيمه والشهادة له بالوحدانية ولنبيه بالرسالة عليه الصلاة والسلام، فهم من الدعاة إلى الله وهم داخلون في هذه الآية الكريمة.
ومما صح في السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في شأن الدعوة وفضلها قوله عليه الصلاة والسلام لما بعث علياً رضي الله عنه إلى خيبر قال: ((ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيه، فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم)) متفق عليه من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه.
أقسم عليه الصلاة والسلام وهو الصادق وإن لم يقسم أن هداية رجل واحد على يد عليٍ رضي الله عنه خير له من حمر النعم، فدل ذلك على أن الدعوة إلى الله شأنها عظيم وأنها منزلة عظمى. وفي هذا بيان أن المقصود من الدعوة والجهاد ليس قتل الناس ولا أخذ أموالهم؛ ولكن المقصود هدايتهم وإنقاذهم مما هم فيه من الباطل، وإخراجهم من الظلمات إلى النور، وانتشالهم من وهدة الضلالة وأوحال الرذيلة إلى عز الهدى وشرف التقوى. ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: ((والله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم)).
وفيه من الفوائد حث الغزاة وأئمة الغزو على التريث وعدم العجلة في القتال، وأن يجتهدوا في الدعوة وإرشاد المدعوين وتنبيههم على أسباب النجاة لعلهم يرجعون ويجيبون الداعي، ولعلهم يتركون القتال ويدخلون في دين الله سبحانه وتعالى، فليس مقصود المسلمين ولا مقصود الإسلام والجهاد القتل وسبي النساء والذرية والأموال، وإنما المقصود من ذلك هداية الناس وإرشادهم إلى الحق الذي خلقوا له كما سبق، فإذا امتنعوا وأصروا ولم يقبلوا الحق بعد ذلك فالجهاد يفر إليه عند الحاجة، أما إذا كفت الدعوة وقبلوا الحق فلا حاجة إلى الجهاد، وإنما يصار إليه عند امتناع المدعو وعدم قبوله الحق، فعند هذا شرع الله الجهاد بالسلاح لقمع المبطلين وإزاحتهم عن طريق الدعوة، وإخراج الناس من الظلمات إلى النور، وفتح الطريق أمام الدعوة إلى الله عز وجل حتى ينتشر الإسلام في أرض الله.
وفيه من الفوائد أيضاً الدلالة على أن هداية واحدٍ خير من حمر النعم، يعني: أن الهداية لواحدٍ من الكفار على يدك أيها الداعي أو أيها الأمير فيه خير عظيم وفضل كبير. قال بعض الأئمة: معنى ذلك: خير من الدنيا وما عليها؛ لأن الدنيا زائلة والآخرة باقية فخيرها ولو كان قليلاً خير من الدنيا وما عليها، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ((موضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما عليها)).
وإنما ذكر صلى الله عليه وسلم حمر النعم لأن حمر النعم أنفس أموال العرب وأرفعها عندهم فمثل بها، وإلا فالمقصود أن هداية رجل واحد أو أكثر من ذلك خير من الدنيا وحطامها الزائل الفاني.
وقال عليه الصلاة والسلام: ((من دل على خير فله مثل أجر فاعله)) أخرجه مسلم في الصحيح، وهو يدل على أن من دعا إلى الخير وأرشد إليه كان له مثل أجر فاعله، وهذه فضيلة عظيمة للدعوة وشرف عظيم للدعاة أن الله - سبحانه وتعالى - يعطيهم مثل أجور من هداه الله على أيديهم.
فيا له من خير، ويا له من فضل، ويا لها من منزلة. فيا أخي ادع إلى ربك وإلى دينك وإلى إتباع نبيك عليه الصلاة والسلام يحصل لك مثل أجور من هداه الله على يديك، هذه مزيةٍ عظيمة وفضل كبير، وفي ذلك حث وتحريض للدعاة على الدعوة والصبر عليها إذا كنت تحصل بذلك على مثل أجور من هداه الله على يدك، فحقيق بك أن تشمر وأن تسارع إلى الدعوة وأن تصبر عليها وفي هذا خير عظيم، وقال عليه الصلاة والسلام فيما رواه مسلم أيضاً في الصحيح: ((من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً))، وهذا أيضاً فضل عظيم: ((من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه))، وهذا مثل ما تقدم في حديث: ((من دل على خير فله مثل أجر فاعله)).
وهذه الأحاديث وما جاء في معناها فيها الحث والتحريض على الدعوة وبيان فضلها وأنها في منزلة عظيمة من الإسلام، وأنها وظيفة الرسل عليهم الصلاة والسلام، وقد بعث الله تعالى الرسل جميعاً دعاة لله عز وجل، ومبشرين بدينه، ومنذرين من عصاه، فحقيق بك أيها المؤمن أن تسير على منهاجهم الصالح، وأن تستمر على طريقهم الواضح بالدعوة إلى الله والتبشير بدينه، والتحذير من خلافه، وإنما يتم هذا الفضل ويحصل هذا الخير ويتضاعف بالصبر والإخلاص والصدق، فمن ضعف صبره أو ضعف صدقه أو ضعف إخلاصه لا يستقيم مع هذا الأمر العظيم، ولا يحصل به المطلوب كما ينبغي، فالمقام يحتاج إلى إخلاص، فالمرائي ينهار ولا يثبت عند الشدائد، ويحتاج إلى صبر، فذو الملل وذو الكسل لا يحصل به المقصود على التمام، فالمقام يحتاج إلى إخلاص وإلى صدق وإلى صبر، كما قال سبحانه وتعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ[14]، وكما قال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ[15]، وقال عز وجل: وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ[16]، فلا بد من الصدق كما قال عز وجل: هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ[17]، ولا بد من الصبر كما قال جل وعلا: وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ[18]، وكما قال سبحانه: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ[19]، فبالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين. فالدعاة إلى الله عز وجل إذا صبروا وصدقوا وكانت دعوتهم على علم وعلى بصيرة، صاروا أئمة للناس يقتدى بهم في الشدة والرخاء، والعسر واليسر، كما سبق في قوله تعالى وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ[20].
فعليك يا عبد الله بالصبر على دعوتك وإيمانك وعملك الصالح، وعليك باليقين في أعمالك. كن على بصيرة. تعلم وتفقه وتثقف في الدين، وكن على بينة في أمورك حتى تكون دعوتك عن صبر وعن يقين، وبهذا تكون إماماً يقتدى به، وتكون إماماً وقدوة وأسوة صالحة في أعمالك الطيبة وسيرتك الحسنة، وبهذا ينتهي الكلام على فضل الدعوة وهو الشق الأول.
أما الشق الثاني: وهو أثرها في انتشار الإسلام. فنقول: إن الله جل وعلا بعث الرسل كما سبق عليهم الصلاة والسلام دعاة للحق وهداة للخلق، ولم يبلغنا أن الرسل الأولين كانوا يجاهدون على دعوتهم، وإنما ذكر الله الجهاد بعد بعث موسى عليه الصلاة والسلام.
ومن وقت آدم إلى نزول التوراة كان الرسل دعاة فقط ليس هناك جهاد، فانتشر الإسلام بالدعوة والبيان والكتب المنزلة من السماء، فكان الرسل عليهم الصلاة والسلام يدعون إلى الله وينذرون الناس فانتشر دينهم وإسلامهم بالدعوة من عهد آدم إلى أن بعث الله موسى عليه الصلاة والسلام.
والإسلام هو دين الله، قال جل وعلا: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ[21]، فهو دين الله لجميع المرسلين وجميع الأمم؛ كما قال سبحانه وتعالى عن نوح: وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ[22]، وهو أول الرسل، وقال عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما: (كان بين آدم ونوح عليهما الصلاة والسلام عشرة قرون كلهم على الإسلام)، حتى وقع الشرك في قوم نوح، وقال جل وعلا في قصة إبراهيم وإسماعيل وهما يعمران الكعبة: رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ[23]، فطلبا أن يكونا مسلمين.
وقال في قصة يوسف: أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ[24]، وقال في قصة موسى: وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ[25]، وقال عن بلقيس: وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ[26]، فالدين عند الله هو الإسلام، ولكن الله بعث محمداً عليه الصلاة والسلام بأكمله وأتمه، بعثه بالإسلام وبشريعةٍ كاملةٍ في الإسلام، فالذي بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم هو أكمل الدين وأتمه، بعثه بالإسلام الذي هو دين الله، وبعثه بشريعة كاملة صالحة لجميع الزمان والمكان حتى تقوم الساعة، أما ما بعث الله به الأنبياء الماضين فهو دين الإسلام؛ ولكن بشرائع خاصة لأقوامهم خاصة، شرائع خاصة لأقوامهم، كل رسول بعثه الله إلى قومه بشريعة خاصة، والدين هو الإسلام، وهو توحيد الله؛ كما قال سبحانه وتعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ[27]، فكل أمة بعث إليها رسول ليدعوهم إلى الإسلام، والاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والبراءة من الشرك وأهله، فكل رسول بعثه الله بهذا الإسلام وهو دين الله وتوحيده بإفراده بالعبادة، وترك عبادة ما سواه، وبعث معه شريعة خاصة تلائم زمانه وتناسب وقته وقومه، حتى ختم الله جل وعلا الشرائع والنبوات ببعث محمد عليه الصلاة والسلام، وبشريعةٍ كاملةٍ ودينٍ شامل ونظامٍ عام لجميع الأمة في حاضرها وقت نزول القرآن وفي مستقبلها إلى يوم القيامة. وجعله ديناً شاملاً لجميع الشئون؛ شئون الدين والدنيا، شئون العبادة وشئون المعاملة، وشئون الأحوال الشخصية وشئون الجنايات، وغير ذلك في جميع الأمور، جعله ديناً شاملاً منظماً لجميع مصالح العباد، منظماً لجميع ما يحتاجون إليه في شئونهم العاجلة والآجلة، مفصلاً لكل ما يتطلبه العاقل وتقتضيه الحاجة. وبهذا يعلم أن انتشار الإسلام في عهد آدم وما بعده وعهد نوح وهود وصالح وإبراهيم ولوط وإسحاق ويعقوب -وهو إسرائيل- ويوسف عليهم الصلاة والسلام جميعاً والأنبياء بعدهم كان بالدعوة، انتشر الإسلام بالدعوة وظهر بالدعوة. كان الرسل يدعون وهكذا أنصارهم وأتباعهم يدعون إلى الله جل وعلا.
فانتشر الإسلام في أممهم بالدعوة لا بالجهاد ولا بالسيف، فلم يذكر الله في كتابه العزيز عن أولئك أنهم جاهدوا بالسيف، وإنما دعوا إلى الله وأنذروا الناس وبشروهم فقبل الدعوة من هداه الله وأباها من سبقت له الشقاوة نعوذ بالله من ذلك.
وكانت الأمم قبل موسى عليه الصلاة والسلام إذا عاندوا الرسول وأبوا إتباعه جاءهم العذاب فأهلكوا عن آخرهم إلا من آمن بالله. فآدم عليه الصلاة والسلام ومن كان في زمانه من ذريته إلى عهد نوح كانوا على الإسلام والهدى، ولا يلزم من ذلك أن لا يكون فيهم معصية، فقد عصى قابيل وقتل أخاه هابيل بغير حق ولكنهما كانا على الإسلام.
ثم زيّن الشيطان لقوم نوح الغلو في الصالحين في قالب المحبة لهم، ودعاهم إلى تصوير صورهم ونصبها في مجالسهم، ثم بعد ذلك زين لمن بعدهم التعلق بها وعبادتها حتى وقع الشرك في قوم نوح بسبب الغلو في الصالحين، وتصوير الصور والابتداع في الدين.
ولهذا حذّر الرسول عليه الصلاة والسلام من الصور، وحذر من البدع؛ لأن البدع والصور من وسائل الشرك نسأل الله العافية، ولما أخبرته أم حبيبة وأم سلمة بالكنيسة التي رأتاها في الحبشة وما فيها من الصور، قال: ((أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله))، فأخبر عليه الصلاة والسلام أنهم شرار الخلق بسبب غلوهم في صالحيهم باتخاذ المساجد على قبورهم، وتصوير الصور عليها، وهكذا وقع في قوم نوح، فالإسلام انتشر بالدعوة فلما أبى قوم نوح إلا العناد والشرك ولم يستجيبوا لداعيهم نوح عليه الصلاة والسلام ألف سنة إلا خمسين عاماً أرسل الله عليهم الطوفان فأهلكهم عن آخرهم بالغرق إلا من كان مع نوح في السفينة، نسأل الله العافية.
وقوم هود هلكوا بريحٍ عقيم، وقوم صالح بالرجفة والصيحة حتى هلكوا عن أخرهم، هكذا عاقب الله كثيراً من الأمم بأنواع من العقوبات بسبب كفرهم وضلالهم وامتناعهم عن قبول الدعوة الإسلامية.
ثم شرع الجهاد في عهد موسى عليه الصلاة والسلام لنصر الحق وقمع الباطل، ثم شرع الله الجهاد على يد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على الوجه الأكمل، ونبينا عليه الصلاة والسلام لما بعثه الله مكث في مكة بضعة عشر عاماً يدعو إلى الله عز وجل ولم يكن هناك جهاد بالسيف ولكنه الدعوة والتبشير بالإسلام.
وقد أنكر قومه دعوته وآذوه وآذوا أصحابه ولكنه صبر على ذلك عليه الصلاة والسلام وكان مستترا بها أولا، ثم أمره الله بالصدع فأظهر الدعوة وصبر على الأذى، وهكذا أصحابه، وكان من السابقين إلى ذلك أبو بكر الصديق رضي الله عنه، سبق إلى الإسلام والدعوة، وخديجة رضي الله عنها، وعلي رضي الله عنه، وزيد بن حارثة، هؤلاء الأربعة هم السابقون إلى الإسلام والدعوة، ثم تابعهم الناس.
وكان الصديق رضي الله عنه شريفاً في قومه معظماً مألوفاً ذا معروف وإحسان وذا تجارةٍ ومال، وذا خلقٍ كريم، فكان يدعو إلى الله سراً ويبشر بالإسلام حتى أسلم على يديه جم غفير منهم: عثمان رضي الله عنه، والزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله، رضي الله عن الجميع. وأسلم جم غفير في مكة بالدعوة لا بقهر ولا بجهاد ولكن بالدعوة والتوجيه وقراءة القرآن وشرح محاسن الإسلام، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو ويقرأ عليهم القرآن ويبين لهم ما أشكل عليهم فيتقبلون الحق ويرضون به، ويدخلون في دين الله جل وعلا.
ثم انتشر الإسلام والدعوة إليه في القبائل والبادية والقرى المجاورة لمكة بسبب الدعوة، وبسبب ما يسمعونه من الصحابة الذين أسلموا وأجابوا النبي عليه الصلاة والسلام. وكان النبي عليه الصلاة والسلام يعرض نفسه على القبائل في موسم الحج كل عام يطلب منهم أن يجيبوه وأن يؤوه وأن ينصروه حتى يبلغ رسالة ربه عليه الصلاة والسلام، فلم يقدر الله سبحانه ذلك إلا للأنصار رضي الله عنهم وأرضاهم، فأجابه الأنصار واجتمعوا به عند الجمرة في المرة الأولى وكانوا ستة، دعاهم إلى الإسلام فأجابوا وقبلوا الحق وصاروا رسلاً إلى قومهم، فذهبوا إلى المدينة ودعوا إلى الله عز وجل، وبشروا بالإسلام فأجاب إلى الإسلام منهم بشر كثير، ثم قدم منهم في السنة الثانية اثنا عشر منهم الستة الأقدمون ومن جملتهم أسعد بن زرارة رضي الله عنه وجماعة كانوا من الخزرج سوى اثنين من الأوس وقيل ثلاثة، فاجتمعوا به عليه الصلاة والسلام أيضاً في وسط أيام التشريق وتلا عليهم القرآن وبايعوه على الإسلام، ثم رجعوا إلى بلادهم فدعوا إلى الله عز وجل وانتشر الإسلام في بيوت الأنصار إلا قليلا منهم، ودخل في دين الله جم غفير من الأنصار، ثم تعاقدوا على أن يطلبوا من النبي على أن يهاجر إليهم وأن ينقذوه من حال المشركين وأذاهم.
وكان قد بعث إليهم عليه الصلاة والسلام مصعب بن عمير بعد البيعة الأولى فكان يعلم ويرشد في المدينة، فكان يعلم الناس ويرشدهم، وأسلم على يديه جماعة كثيرة وانتشر الإسلام بسبب ذلك، ومن جملة من أسلم على يديه سيد الأوس سعد بن معاذ، والسيد الثاني من الأوس أسيد بن الحضير، وبسبب إسلامهما انتشر الإسلام في الأوس، وبسبب إسلام أسعد بن زرارة هو وسعد بن عبادة وجماعة من الخزرج انتشر الإسلام في الخزرج، وظهر دين الله هناك، ثم قدموا في السنة الثالثة، قدم منهم سبعون رجلاً من الأنصار، وقيل: ثلاثة وسبعون، وبايعوا النبي صلى الله عليه وسلم على الإسلام والنصرة والإيواء، وتم ذلك بحضرة عمه العباس رضي الله عنه، ثم شرع المسلمون في الهجرة إلى المدينة بإذنه عليه الصلاة والسلام، ثم هاجر عليه الصلاة والسلام إلى المدينة وقام بالدعوة إلى الله هناك ونشر الإسلام، وهكذا المسلمون الذين أسلموا من الحاضرة والبادية نشروا الإسلام بالدعوة ومن جملتهم أبو ذر الغفاري وعمرو بن عبسة السلمي وغيرهما.
ثم شرع الله الجهاد على أطوار ثلاثة:
أولاً أذن فيه، ثم أمروا أن يقاتلوا من قاتلهم ويكفوا عمن كف عنهم، ثم شرع الله الجهاد العام طلباً ودفاعاً، وهذه الأطوار باقية على حسب ضعف المسلمين وقوتهم، فإذا قوي المسلمون وجب عليهم الجهاد طلباً ودفاعاً، وإذا ضعفوا عن ذلك وجب عليهم الدفاع وسقط عنهم الطلب حتى يقدروا ويستطيعوا.
والمقصود من الجهاد كما تقدم هو نشر الإسلام وإخراج الناس من الظلمات إلى النور، وإزاحة العقبات من طريق الدعوة، والقضاء على العناصر الفاسدة التي تمنع الدعوة وتحول بين الدعاة إلى الله وتبيين مقاصدهم الطيبة، ولهذا شرع الله الجهاد لإزاحة العراقيل عن طريق الدعوة، ولإخراج الناس من الظلمات إلى النور، وانتشالهم من الباطل إلى الحق والهدى، وإخراجهم من ظلم الأديان وضيق الدنيا إلى سعة الإسلام وعدل الإسلام، ومضى على ذلك نبي الله عليه الصلاة والسلام وأصحابه الكرام وأتباعهم بإحسان حتى ظهر دين الله وانتشر الحق بالدعوة الصحيحة الإسلامية، وبالجهاد الذي يناصرها ويؤيدها إذا وقف في طريقها أحد، حتى أزاحوا الروم عن الشام، واستولوا على مملكة الفرس، وانتشر الإسلام في اليمن وغيره من أنحاء الجزيرة العربية بسبب الدعوة إلى الله والجهاد الصادق في سبيل الله، وأزيحت العقبات عن طريق الدعوة.
وبهذا يعلم أن انتشار الإسلام بالدعوة كان هو الأساس وهو الأصل، وأما الجهاد بالسيف فكان منفذا للحق وقامعاً للفساد عند وجود المعارضين الواقفين في طريق الدعوة. وبالجهاد والدعوة فتحت الفتوحات بسبب أن أكثر الخلق لا يقبل الدعوة بمجردها لمخالفتها لهواه، ولما في نفسه من حب للشهوات المحرمة ورياسته الفاسدة الظالمة، فجاء الجهاد يقمع هؤلاء ويزيحهم عن مناصبهم التي كانوا فيها عقبة كأداء في طريق الدعوة، فالجهاد مناصر للدعوة ومحقق لمقاصدها، ومعين للدعاة على أداء واجبهم.
والدعوة إلى الله سبحانه وتعالى على حالين:
إحداهما: فرض عين، والثانية: فرض كفاية، فهي فرض عين عند عدم وجود من يقوم باللازم كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذا كنت في بلد أو قبيلة أو منطقة من المناطق ليس فيها من يدعو إلى الله ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وأنت عندك علم؛ فإنه يجب عليك عيناً أن تقوم بالدعوة، وترشد الناس إلى حق الله، وتأمرهم بالمعروف، وتنهاهم عن المنكر.
أما إذا وجد من يقوم بالدعوة ويبلغ الناس ويرشدهم فإنها تكون في حق الباقين العارفين بالشرع سنةً لا فرضاً.
وهكذا الجهاد كله، فرض كفاية عند وجود من يكفي، فيسقط الجهاد والأمر والنهي والدعوة عن الباقين ويكون في حقهم سنة مؤكدة، وعند عدم وجود من يكفي يتعين الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله عليك حسب طاقتك وحسب إمكانك، كما قال تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ[28]، وقال جل وعلا: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا[29]، وقد قام الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم بالدعوة والجهاد بعد نبيهم عليه الصلاة والسلام قياماً عظيماً، فأبو موسى ومعاذ وعلي رضي الله عنهم بعثوا إلى اليمن في حياة النبي صلى الله عليه وسلم فقاموا بالدعوة هناك، ثم رجع معاذ في عهد الصديق، ورجع علي وأبو موسى في حجة الوداع، فقام خلفاؤهم بالدعوة هناك ونشر الإسلام.
وقام الصحابة الذين سافروا إلى العراق والشام بالدعوة إلى الله هناك ونشر الإسلام، ثم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم قاموا بالدعوة والجهاد والتعليم والتفقيه في الشام والعراق واليمن ومصر وغير ذلك، وفي شرق وشمال أفريقيا، ثم لم تزل الدعوة تنتشر في أفريقيا كلها، وفي الشرق والغرب كله، حتى ظهرت الدعوة وانتشرت في أقصى المغرب والمشرق.
وفي وقتنا هذا ضعف أمر الجهاد لما تغير المسلمون وتفرقوا وصارت القوة والسلاح بيد عدونا، وصار المسلمون الآن إلا من شاء الله لا يهتمون إلا بمناصبهم وشهواتهم العاجلة وحظهم العاجل، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فلم يبق في هذه العصور إلا الدعوة إلى الله عز وجل والتوجيه إليه، وقد انتشر الإسلام بالدعوة في هذه العصور في أماكن كثيرة في أفريقيا شرقها وغربها ووسطها وفي أوربا، وفي أمريكا وفي اليابان، وفي كوريا، وفي غير ذلك من أنحاء آسيا، وكل هذا بسبب الدعوة إلى الله، بعضها على أيدي التجار، وبعضها على أيدي من قام بالدعوة وسافر لأجلها وتخصص لها.
وبهذا يعلم طالب العلم ومن آتاه الله بصيرة أن الدعوة إلى الله عز وجل من أهم المهمات وأن واجبها اليوم عظيم لأن الجهاد اليوم مفقود في غالب المعمورة والناس في أشد الحاجة إلى الدعاة والمرشدين على ضوء الكتاب والسنة، فالواجب على أهل العلم أينما كانوا أن يبلغوا دعوة الله، وأن يصبروا على ذلك، وأن تكون دعوتهم نابعة من كتاب الله وسنة رسوله الصحيحة عليه الصلاة والسلام، وعلى طريق الرسول وأصحابه، ومنهج السلف الصالح رضي الله عنهم، وأهم من ذلك الدعوة إلى توحيد الله وتخليص القلوب من الشرك والخرافات والبدع؛ لأن الناس ابتلوا بالبدع والخرافات إلا من رحم الله، فيجب على الداعية أن يهتم بتنقية العقيدة، وتخليصها مما شابها من خرافات وبدع وشركيات، كما يقوم بنشر الإسلام بجميع أحكامه وأخلاقه، والطريق إلى ذلك هو تفقيه الناس في القرآن والسنة، فالقرآن هو الأصل الأصيل في دعوة الناس إلى الخير، ثم السنة بعد ذلك تفسر القرآن، وتدل عليه، وتعبر عنه، وتوضح معناه وتبينه، وخلق النبي صلى الله عليه وسلم يجب أن يتأسى المسلمون به ويقتدوا به عليه الصلاة والسلام، قال الله جل وعلا: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ[30]، قالت عائشة رضي الله عنها: (كان خلقه القرآن)، فالداعية إلى الله ينبغي له أن يهتم بالقرآن الكريم وأن يعنى به تلاوةً وتدبراً وقراءة على الناس وتوجيهاً لهم إليه؛ حتى يدرسوه ويتعلموه ويعملوا به. وهكذا السنة يعلمهم إياها ويبشرهم بها ويحثهم عليها، ويوضح سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وسيرة أصحابه حتى يسيروا على طريقهم الصالح وعلى نهجهم الطيب، وهذا هو الطريق والسبيل إلى نشر الإسلام، وتخليص الناس من الشرك والخرافات والبدع، وهو دعوتهم إلى الله وإرشادهم إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن على ضوء الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والطريقة السلفية التي سار عليها رسول الله عليه الصلاة والسلام، وسار عليها أصحابه الكرام وأتباعهم بإحسان.
وأسأل الله عز وجل أن يوفقنا جميعاً لما فيه رضاه، وأن يهدينا صراطه المستقيم وأن يمن علينا وعلى المسلمين جميعاً بسلوك طريق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وطريق أصحابه والثبات عليه والدعوة إليه والذب عنه والتحذير من خلافه.
كما نسأله سبحانه أن يصلح ولاة أمر المسلمين وأن يمن عليهم بالتوفيق والهداية، وأن يجمعهم وشعوبهم على الحق والهدى، وأن ينصر بهم الحق ويخذل بهم الباطل، وأن يقيم بهم علم الجهاد لنصر دين الله، الجهاد الصالح الشرعي حتى يكونوا دعاةً إلى الله ومرشدين إليه سبحانه وتعالى إنه جل وعلا جواد كريم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] سورة النحل الآية 36.
[2] سورة النساء الآية 165.
[3] سورة الأحزاب الآيتان 45 ، 46.
[4] سورة يوسف الآية 108.
[5] سورة يوسف الآية 108.
[6] سورة النحل الآية 125.
[7] سورة الأحزاب الآية 21.
[8] سورة النحل الآية 125.
[9] سورة النحل الآية 125.
[10] سورة العنكبوت الآية 46.
[11] سورة فصلت الآية 33.
[12] سورة فصلت الآية 33.
[13] سورة فصلت الآية 33
[14] سورة يوسف الآية 108.
[15] سورة التوبة الآية 119.
[16] سورة الأنفال الآية 46.
[17] سورة المائدة الآية 119.
[18] سورة الأنفال الآية 46.
[19] سور السجدة الآية 24.
[20] سورة السجدة الآية 24.
[21] سورة آل عمران الآية 19.
[22] سورة النحل الآية 91.
[23] سورة البقرة الآية 128.
[24] سورة يوسف الآية 101.
[25] سورة يونس الآية 84.
[26] سورة النمل الآية 44.
[27] سورة النحل الآية 36.
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره. ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله، واهتدى بهداه إلى يوم الدين. أما بعد:
فإني أشكر للمسئولين في الرابطة ما تكرموا به من تقديم الدعوة إلي للمشاركة في موسم الرابطة الثقافي لهذا العام 1391 هـ.
وأسأل الله عز وجل أن ينفع المسلمين بهذا الموسم، وأن يكلل جهود القائمين عليه بالنجاح. وأن يجزل لهم المثوبة، إنه خير مسئول. وقد رأى المسئولون في الرابطة أن تكون المحاضرة في (أثر الدعوة في انتشار الإسلام) وقد أجبتهم إلي ذلك، ورأيت أن يكون العنوان ما سمعتم وهو فضل الدعوة. ومن هذا يعلم أن هذه المحاضرة ذات شقين: أحدهما: يتعلق بفضل الدعوة، والثاني: يتعلق بأثرها في انتشار الإسلام.
أما ما يتعلق بفضل الدعوة، فكل من له أدنى إلمام بالعلم، يعرف أن الدعوة شأنها عظيم، وهي مهمة الرسل عليهم الصلاة والسلام، والرسل عليهم الصلاة والسلام هم الأئمة في هذا الشأن، وهم الأئمة في الدعوة، وهي وظيفتهم؛ لأن الله جل وعلا بعثهم دعاة للحق، وهداة للخلق عليهم الصلاة والسلام، فكفى الدعوة شرفاً، وكفاها منزلةً عظيمةً أن تكون وظيفة الرسل وأتباعهم إلى يوم القيامة. قال الله تعالى في كتابه المبين: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ واجتنبوا الطاغوت[1]، فبين سبحانه وتعالى أن الرسل جميعاً بعثوا بهذا الأمر العظيم الدعوة إلى عبادة الله وحده، واجتناب الطاغوت.
والمعنى أنهم بعثوا لدعوة الناس إلى إفراد الله بالعبادة، وتخصيصه بها، دون كل ما سواه، وتحرير الناس من عبادة الطاغوت، إلى عبادة الله وحده.
والطاغوت كل ما عبد من دون الله من شجر وحجر، أما ما عبد من دون الله من الأنبياء والصالحين والملائكة فليس المعبود منهم طاغوتاً، ولكن الطاغوت هو الشيطان الذي دعا إلى ذلك وزين ذلك، وإلا فالرسل والملائكة والصالحون يبرءون إلى الله عز وجل من عبادة من عبدهم. فالطاغوت كل ما عبد من دون الله من الجمادات، ومن العقلاء الذين يرضون بذلك كفرعون وأشباهه، أما من لا يرضى بذلك فالطاغوت هو الشيطان الذي دعا إلى عبادته وزينها.
وقال عز وجل: رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ[2]، فبين سبحانه وتعالى أن الرسل بعثوا مبشرين ومنذرين، مبشرين من أطاعهم بالنصر والتأييد والجنة والكرامة، ومنذرين من عصاهم بالخيبة والندامة والنار.
وفي بعثتهم إقامة الحجة، وقطع المعذرة، حتى لا يقول قائل ما جاءنا من بشير ولا نذير فالله سبحانه وتعالى بعث الرسل إقامة للحجة، وقطعاً للمعذرة، وهداية للخلق، وبياناً للحق، وإرشاداً للعباد إلى أسباب النجاة، وتحذيراً لهم من أسباب الهلاك عليهم الصلاة والسلام، فهم خير الناس وأصلح الناس، وأنفع الناس للناس، وقال جل وعلا: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا[3]، فأخبر سبحانه أنه بعث هذا الرسول الكريم محمداً عليه الصلاة والسلام شاهداً ومبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله، فعلم بذلك أن وظيفة الدعوة إلى الله هي تبليغ الناس الحق، وإرشادهم إليه، وتحذيرهم مما يخالفه ويضاده. وهكذا أتباعهم إلى يوم القيامة. مهمتهم الدعوة إلى الله وإرشاد الناس إلى ما خلقوا له، وتحذيرهم من أسباب الهلاك، كما قال عز وجل: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ[4]، فأمر الله نبيه أن يبلغ الناس أن سبيله التي هو عليها الدعوة إلى الله عز وجل، وهكذا أتباعه هم على ذلك.
والمعنى: قل يا محمد، أو قل يا أيها الرسول للناس: هذه سبيلي أنا ومن اتبعني. فعلم بذلك أن الرسل وأتباعهم هم أهل الدعوة، وهم أهل البصائر، فمن دعا على غير بصيرة فليس من أتباعهم، ومن أهمل الدعوة فليس من أتباعهم، وإنما أتباعهم على الحقيقة هم الدعاة إلى الله على بصيرة، يعني أتباعهم الكُمّل الصادقين الذين دعوا إلى الله على بصيرة، ولم يقصروا في ذلك، وعملوا بما يدعون إليه، وكل ما حصل من تقصير في الدعوة، أو في البصيرة كان نقصاً في الإتباع، ونقصاً في الإيمان وضعفاً فيه، فالواجب على الداعية إلى الله عز وجل، أن يكون ذا بصيرة، أي ذا علم، فالدعوة على جهل لا تجوز أبداً، لأن الداعية إلى الله على جهلٍ يضر ولا ينفع، ويخرب ولا يعمر، ويضل ولا يهدي، فالواجب على الدعاة إلى الله سبحانه وتعالى التأسي بالرسل بالصبر والعلم والنشاط في الدعوة: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ[5]، فالدعوة إلى الله عز وجل هي سبيل الرسل وطريقهم عليهم الصلاة والسلام، وفي ذلك غاية الشرف والفضل للدعاة أتباع الرسل، المقتدين بهم، السائرين على منهاجهم عليهم الصلاة والسلام، ومن شرط ذلك أن يكون الداعية على بصيرة وعلم وبينة، بما يدعو إليه، ومما يحذر منه حتى لا يضر الناس، وحتى لا يدعو إلى ضلالة وهو لا يدري، أو يدعو إلى باطل وترك حق وهو لا يدري، حتى يكون على بينة ليعرف ما يدعو إليه، وما يدعو إلى تركه.
وقال عز وجل: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ[6]، هذا الأمر العظيم وإن كان موجهاً إلى الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم، فهو أمر للأمة جميعاً، وإن خوطب به النبي صلى الله عليه وسلم فهو الأصل والأساس، وهو القدوة عليه الصلاة والسلام، ولكنه مع ذلك موجه للأمة جميعاً، لأن القاعدة الشرعية أن أمته تابعة له في الأمر والنهي إلا ما دل الدليل على أنه خاص به عليه الصلاة والسلام، فالدعوة إلى الله فرض كفاية على الجميع، وواجب على الجميع، قال الله جل وعلا: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا[7]، فعلى المسلمين أن يتأسوا بنبيهم عليه الصلاة والسلام في الدعوة إلى الله، والتوجيه إليه، وإرشاد العباد إلى أسباب النجاة، وتحذيرهم من أسباب الهلاك، وفي هذه الآية العظيمة بيان كيفية الدعوة وأسلوبها ونظامها وما ينبغي للداعي أن يكون عليه: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ[8]، قال جماعة من علماء التفسير: معنى ذلك: بالآيات والأحاديث، يعني ادع إلى الله بآيات الله وبسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام. لما فيها من الحكمة، ولما فيها من الفقه والردع والبيان والإيضاح، والكلمة الحكيمة هي التي فيها الردع عن الباطل، والتوجيه إلى الخير، وفيها الإقناع والتوجيه إلى ما فيه السعادة.
فالداعي إلى الله جل وعلا، ينبغي له أن يتحرى في دعوته ما يقنع المدعو، ويوضح الحق، ويردعه عما يضره، بالأسلوب الحسن الطيب، اللين الرقيق، ولهذا قال بعده: وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ، فليكن الداعي ذا حكمة، وذا موعظة حسنة، عند الحاجة إليها، فهو يوضح الحق ويبينه، ويرشد إليه بالآيات والأحاديث الواضحة البينة الصحيحة، حتى لا يبقي شبهة للمدعو.
ومن الحكمة إيضاح المعنى وبيانه بالأساليب المؤثرة التي يفهمها المدعو، وبلغته التي يفهمها حتى لا تبقى عنده شبهة، وحتى لا يخفى عليه الحق بسبب عدم البيان، أو بسبب عدم إقناعه بلغته، أو بسبب تعارض بعض الأدلة وعدم بيان المرجح، فإذا كان هناك ما يوجب الموعظة وعظ وذكر بالآيات الزواجر، والأحاديث التي فيها الترغيب والترهيب، حتى ينتبه المدعو ويرق قلبه وينقاد للحق، فالمقام قد يحتاج فيه المدعو إلى موعظةٍ وترغيبٍ وترهيب على حسب حاله، وقد يكون مستعداً لقبول الحق، فعند أقل تنبيه يقبل الحق، وتكفيه الحكمة، وقد يكون عنده بعض التمنُّع وبعض الإعراض فيحتاج إلى موعظة وإلى توجيه، وإلى ذكر آيات الزجر والترغيب وأحاديث الزجر والترغيب والترهيب حتى يلين قلبه، ويقبل الحق.
وقد يكون عنده شبه فيحتاج إلى جدال بالتي هي أحسن. حتى تزاح الشبهة، ويتضح الحق ولهذا قال جل وعلا: وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ[9]. فإذا كان المدعو عنده بعض الشبه. فعليك أيها الداعي أن توضح الحق بدلائله. وأن تزيح الشبهة بالدلائل التي تزيحها، حتى يبقى معك المدعو على أمر بين واضح، وليكن هذا بالتي هي أحسن؛ لأن العنف والشدة قد يضيعان الفائدة. وقد يقسو قلب المدعو بسبب ذلك ويحصل له به الإعراض والتكبر عن القبول فعليك بالرفق والجدال بالتي هي أحسن حتى يقبل منك الحق، وحتى لا تضيع الفرصة. وتذهب الفائدة سدى. بسبب العنف والشدة، ما دام صاحبك يريد منك الحق. ولم يظلم ولم يتعد. أما عند الظلم والتعدي فله نهج آخر. وسبيل آخر، كما قال جل وعلا: وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ[10]، فإذا كان أهل الكتاب يجادلون بالتي هي أحسن، فالمسلمون من باب أولى أن يجادلوا بالتي هي أحسن، لكن من ظلم ينتقل معه إلى شيء آخر، فقد يستحق الظالم الزجر، والتوبيخ، وقد يستحق التأديب والسجن، إلى غير ذلك على حسب ظلمه.
والآيات في فضل الدعوة، والحث عليها كثيرة، ولكن من أهم ذلك وأوضحه ما بينا. ومن هذا قوله سبحانه وتعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ[11]، ففي هذه الآية الكريمة بيان أنه لا أحسن قولاً ممن دعا إلى الله، وفي ذلك غاية الحث على الدعوة، وغاية التحريض عليها، إذا كان لا أحسن قولاً. ممن دعا إلى الله، فحقيق بالمؤمن.
وحقيق بطالب العلم أن يبادر ويسارع إلى هذا المقام العظيم، مقام الرسل عليهم الصلاة والسلام، وهو الدعوة إلى الله والإرشاد إلى دينه الحق، وهذه الطائفة رأسها وأئمتها الرسل عليهم الصلاة والسلام، وهم أحسن الناس قولاً، وهم أئمة الهدى والدعوة، وهم أولى الناس بالدخول في هذه الآية الكريمة؛ لأنهم القدوة والأساس في الدعوة إلى الله عز وجل عليهم الصلاة والسلام.
وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ[12]، هذه الآية العظيمة تبين لنا أن الداعي إلى الله عز وجل ينبغي أن يكون ذا عمل صالح يدعو إلى الله بلسانه، ويدعو إلى الله بأفعاله أيضاً، ولهذا قال بعده: وَعَمِلَ صَالِحًا، فالداعي إلى الله عز وجل يكون داعية باللسان، وداعية بالعمل، ولا أحسن قولا من هذا الصنف من الناس، هم الدعاة إلى الله بأقوالهم الطيبة. وهم يوجهون الناس بالأقوال والأعمال. فصاروا قدوة صالحة في أقوالهم وأعمالهم وسيرتهم. وهكذا كان الرسل عليهم الصلاة والسلام، دعاة إلى الله بالأقوال والأعمال والسيرة، وكثير من المدعوين ينتفعون بالسيرة أكثر مما ينتفعون بالأقوال ولاسيما العامة وأرباب العلوم القاصرة، فإنهم ينتفعون من السيرة والأخلاق الفاضلة والأعمال الصالحة ما لا ينتفعون من الأقوال التي قد لا يفهمونها، فالداعي إلى الله عز وجل من أهم المهمات في حقه أن يكون ذا سيرةٍ حسنة وذا عملٍ صالح وذا خلقٍ فاضل حتى يقتدى بفعاله وأقواله وسيرته. وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ[13]، يعني الداعي يصرح بما هو عليه ويبين أنه على المنهج الأسمى، على الحق، يقول هذا معتزاً به فرحاً به مغتبطاً به، لا مرائياً ولا مفاخراً ولكنه مبين للحق، يقول: إني على صراط مستقيم، أنا من المسلمين، لست نصرانياً ولا يهودياً ولا وثنياً ولكنني مسلم حنيف أدعو إلى الله على بصيرة، أدعو إلى ديني، أدعو إلى الحق، ويقول هذا عن اغتباط، وعن سرور، وعن اعتراف صادق، وعن إيمان بما يدعو إليه، حتى يعلم المدعوون أنه على بينة، وأنه على طريق واضح ومنهج صحيح، وأنه إذا دعا إلى الإسلام فإنه يدعو إليه وهو من أهله، ليس يدعو إليه وهو من غير أهله، بل هو يدعو إليه وهو عليه آخذ به ملتزم به. وكثير من الدعاة قد يدعون إلى شيءٍ وهم على خلافه، لكن دعوا إليه إما لمالٍ أخذوه وإما رياءٍ وإما لأسبابٍ أخرى، لكن الداعي الصادق إلى الله يدعوا إلى الإسلام؛ لأنه دينه، ولأنه الحق الذي لا يجوز غيره، ولأنه سبيل النجاة وسبيل العزة والكرامة، ولأنه دين الله الذي لا يرضى سواه سجانه وتعالى. فهذه الآية العظيمة فيها الحث والتحريض على الدعوة إلى الله عز وجل وبيان منزلة الدعاة، وأنهم أحسن الناس قولاً إذا صدقوا في قولهم وعملوا الصالحات، وهم أحسن الناس قولاً، ولا أحد أحسن منهم قولاً أبداً، وعلى رأسهم الرسل عليهم الصلاة والسلام، ثم أتباعهم على بصيرة إلى يوم القيامة.
ومن الدعاة إلى الله الداخلين في هذه الآية المؤذنون فإنهم دعاة إلى الله ينادون على رءوس الأشهاد بتكبير الله وتعظيمه والشهادة له بالوحدانية ولنبيه بالرسالة عليه الصلاة والسلام، فهم من الدعاة إلى الله وهم داخلون في هذه الآية الكريمة.
ومما صح في السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في شأن الدعوة وفضلها قوله عليه الصلاة والسلام لما بعث علياً رضي الله عنه إلى خيبر قال: ((ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيه، فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم)) متفق عليه من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه.
أقسم عليه الصلاة والسلام وهو الصادق وإن لم يقسم أن هداية رجل واحد على يد عليٍ رضي الله عنه خير له من حمر النعم، فدل ذلك على أن الدعوة إلى الله شأنها عظيم وأنها منزلة عظمى. وفي هذا بيان أن المقصود من الدعوة والجهاد ليس قتل الناس ولا أخذ أموالهم؛ ولكن المقصود هدايتهم وإنقاذهم مما هم فيه من الباطل، وإخراجهم من الظلمات إلى النور، وانتشالهم من وهدة الضلالة وأوحال الرذيلة إلى عز الهدى وشرف التقوى. ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: ((والله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم)).
وفيه من الفوائد حث الغزاة وأئمة الغزو على التريث وعدم العجلة في القتال، وأن يجتهدوا في الدعوة وإرشاد المدعوين وتنبيههم على أسباب النجاة لعلهم يرجعون ويجيبون الداعي، ولعلهم يتركون القتال ويدخلون في دين الله سبحانه وتعالى، فليس مقصود المسلمين ولا مقصود الإسلام والجهاد القتل وسبي النساء والذرية والأموال، وإنما المقصود من ذلك هداية الناس وإرشادهم إلى الحق الذي خلقوا له كما سبق، فإذا امتنعوا وأصروا ولم يقبلوا الحق بعد ذلك فالجهاد يفر إليه عند الحاجة، أما إذا كفت الدعوة وقبلوا الحق فلا حاجة إلى الجهاد، وإنما يصار إليه عند امتناع المدعو وعدم قبوله الحق، فعند هذا شرع الله الجهاد بالسلاح لقمع المبطلين وإزاحتهم عن طريق الدعوة، وإخراج الناس من الظلمات إلى النور، وفتح الطريق أمام الدعوة إلى الله عز وجل حتى ينتشر الإسلام في أرض الله.
وفيه من الفوائد أيضاً الدلالة على أن هداية واحدٍ خير من حمر النعم، يعني: أن الهداية لواحدٍ من الكفار على يدك أيها الداعي أو أيها الأمير فيه خير عظيم وفضل كبير. قال بعض الأئمة: معنى ذلك: خير من الدنيا وما عليها؛ لأن الدنيا زائلة والآخرة باقية فخيرها ولو كان قليلاً خير من الدنيا وما عليها، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ((موضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما عليها)).
وإنما ذكر صلى الله عليه وسلم حمر النعم لأن حمر النعم أنفس أموال العرب وأرفعها عندهم فمثل بها، وإلا فالمقصود أن هداية رجل واحد أو أكثر من ذلك خير من الدنيا وحطامها الزائل الفاني.
وقال عليه الصلاة والسلام: ((من دل على خير فله مثل أجر فاعله)) أخرجه مسلم في الصحيح، وهو يدل على أن من دعا إلى الخير وأرشد إليه كان له مثل أجر فاعله، وهذه فضيلة عظيمة للدعوة وشرف عظيم للدعاة أن الله - سبحانه وتعالى - يعطيهم مثل أجور من هداه الله على أيديهم.
فيا له من خير، ويا له من فضل، ويا لها من منزلة. فيا أخي ادع إلى ربك وإلى دينك وإلى إتباع نبيك عليه الصلاة والسلام يحصل لك مثل أجور من هداه الله على يديك، هذه مزيةٍ عظيمة وفضل كبير، وفي ذلك حث وتحريض للدعاة على الدعوة والصبر عليها إذا كنت تحصل بذلك على مثل أجور من هداه الله على يدك، فحقيق بك أن تشمر وأن تسارع إلى الدعوة وأن تصبر عليها وفي هذا خير عظيم، وقال عليه الصلاة والسلام فيما رواه مسلم أيضاً في الصحيح: ((من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً))، وهذا أيضاً فضل عظيم: ((من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه))، وهذا مثل ما تقدم في حديث: ((من دل على خير فله مثل أجر فاعله)).
وهذه الأحاديث وما جاء في معناها فيها الحث والتحريض على الدعوة وبيان فضلها وأنها في منزلة عظيمة من الإسلام، وأنها وظيفة الرسل عليهم الصلاة والسلام، وقد بعث الله تعالى الرسل جميعاً دعاة لله عز وجل، ومبشرين بدينه، ومنذرين من عصاه، فحقيق بك أيها المؤمن أن تسير على منهاجهم الصالح، وأن تستمر على طريقهم الواضح بالدعوة إلى الله والتبشير بدينه، والتحذير من خلافه، وإنما يتم هذا الفضل ويحصل هذا الخير ويتضاعف بالصبر والإخلاص والصدق، فمن ضعف صبره أو ضعف صدقه أو ضعف إخلاصه لا يستقيم مع هذا الأمر العظيم، ولا يحصل به المطلوب كما ينبغي، فالمقام يحتاج إلى إخلاص، فالمرائي ينهار ولا يثبت عند الشدائد، ويحتاج إلى صبر، فذو الملل وذو الكسل لا يحصل به المقصود على التمام، فالمقام يحتاج إلى إخلاص وإلى صدق وإلى صبر، كما قال سبحانه وتعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ[14]، وكما قال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ[15]، وقال عز وجل: وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ[16]، فلا بد من الصدق كما قال عز وجل: هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ[17]، ولا بد من الصبر كما قال جل وعلا: وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ[18]، وكما قال سبحانه: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ[19]، فبالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين. فالدعاة إلى الله عز وجل إذا صبروا وصدقوا وكانت دعوتهم على علم وعلى بصيرة، صاروا أئمة للناس يقتدى بهم في الشدة والرخاء، والعسر واليسر، كما سبق في قوله تعالى وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ[20].
فعليك يا عبد الله بالصبر على دعوتك وإيمانك وعملك الصالح، وعليك باليقين في أعمالك. كن على بصيرة. تعلم وتفقه وتثقف في الدين، وكن على بينة في أمورك حتى تكون دعوتك عن صبر وعن يقين، وبهذا تكون إماماً يقتدى به، وتكون إماماً وقدوة وأسوة صالحة في أعمالك الطيبة وسيرتك الحسنة، وبهذا ينتهي الكلام على فضل الدعوة وهو الشق الأول.
أما الشق الثاني: وهو أثرها في انتشار الإسلام. فنقول: إن الله جل وعلا بعث الرسل كما سبق عليهم الصلاة والسلام دعاة للحق وهداة للخلق، ولم يبلغنا أن الرسل الأولين كانوا يجاهدون على دعوتهم، وإنما ذكر الله الجهاد بعد بعث موسى عليه الصلاة والسلام.
ومن وقت آدم إلى نزول التوراة كان الرسل دعاة فقط ليس هناك جهاد، فانتشر الإسلام بالدعوة والبيان والكتب المنزلة من السماء، فكان الرسل عليهم الصلاة والسلام يدعون إلى الله وينذرون الناس فانتشر دينهم وإسلامهم بالدعوة من عهد آدم إلى أن بعث الله موسى عليه الصلاة والسلام.
والإسلام هو دين الله، قال جل وعلا: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ[21]، فهو دين الله لجميع المرسلين وجميع الأمم؛ كما قال سبحانه وتعالى عن نوح: وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ[22]، وهو أول الرسل، وقال عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما: (كان بين آدم ونوح عليهما الصلاة والسلام عشرة قرون كلهم على الإسلام)، حتى وقع الشرك في قوم نوح، وقال جل وعلا في قصة إبراهيم وإسماعيل وهما يعمران الكعبة: رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ[23]، فطلبا أن يكونا مسلمين.
وقال في قصة يوسف: أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ[24]، وقال في قصة موسى: وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ[25]، وقال عن بلقيس: وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ[26]، فالدين عند الله هو الإسلام، ولكن الله بعث محمداً عليه الصلاة والسلام بأكمله وأتمه، بعثه بالإسلام وبشريعةٍ كاملةٍ في الإسلام، فالذي بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم هو أكمل الدين وأتمه، بعثه بالإسلام الذي هو دين الله، وبعثه بشريعة كاملة صالحة لجميع الزمان والمكان حتى تقوم الساعة، أما ما بعث الله به الأنبياء الماضين فهو دين الإسلام؛ ولكن بشرائع خاصة لأقوامهم خاصة، شرائع خاصة لأقوامهم، كل رسول بعثه الله إلى قومه بشريعة خاصة، والدين هو الإسلام، وهو توحيد الله؛ كما قال سبحانه وتعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ[27]، فكل أمة بعث إليها رسول ليدعوهم إلى الإسلام، والاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والبراءة من الشرك وأهله، فكل رسول بعثه الله بهذا الإسلام وهو دين الله وتوحيده بإفراده بالعبادة، وترك عبادة ما سواه، وبعث معه شريعة خاصة تلائم زمانه وتناسب وقته وقومه، حتى ختم الله جل وعلا الشرائع والنبوات ببعث محمد عليه الصلاة والسلام، وبشريعةٍ كاملةٍ ودينٍ شامل ونظامٍ عام لجميع الأمة في حاضرها وقت نزول القرآن وفي مستقبلها إلى يوم القيامة. وجعله ديناً شاملاً لجميع الشئون؛ شئون الدين والدنيا، شئون العبادة وشئون المعاملة، وشئون الأحوال الشخصية وشئون الجنايات، وغير ذلك في جميع الأمور، جعله ديناً شاملاً منظماً لجميع مصالح العباد، منظماً لجميع ما يحتاجون إليه في شئونهم العاجلة والآجلة، مفصلاً لكل ما يتطلبه العاقل وتقتضيه الحاجة. وبهذا يعلم أن انتشار الإسلام في عهد آدم وما بعده وعهد نوح وهود وصالح وإبراهيم ولوط وإسحاق ويعقوب -وهو إسرائيل- ويوسف عليهم الصلاة والسلام جميعاً والأنبياء بعدهم كان بالدعوة، انتشر الإسلام بالدعوة وظهر بالدعوة. كان الرسل يدعون وهكذا أنصارهم وأتباعهم يدعون إلى الله جل وعلا.
فانتشر الإسلام في أممهم بالدعوة لا بالجهاد ولا بالسيف، فلم يذكر الله في كتابه العزيز عن أولئك أنهم جاهدوا بالسيف، وإنما دعوا إلى الله وأنذروا الناس وبشروهم فقبل الدعوة من هداه الله وأباها من سبقت له الشقاوة نعوذ بالله من ذلك.
وكانت الأمم قبل موسى عليه الصلاة والسلام إذا عاندوا الرسول وأبوا إتباعه جاءهم العذاب فأهلكوا عن آخرهم إلا من آمن بالله. فآدم عليه الصلاة والسلام ومن كان في زمانه من ذريته إلى عهد نوح كانوا على الإسلام والهدى، ولا يلزم من ذلك أن لا يكون فيهم معصية، فقد عصى قابيل وقتل أخاه هابيل بغير حق ولكنهما كانا على الإسلام.
ثم زيّن الشيطان لقوم نوح الغلو في الصالحين في قالب المحبة لهم، ودعاهم إلى تصوير صورهم ونصبها في مجالسهم، ثم بعد ذلك زين لمن بعدهم التعلق بها وعبادتها حتى وقع الشرك في قوم نوح بسبب الغلو في الصالحين، وتصوير الصور والابتداع في الدين.
ولهذا حذّر الرسول عليه الصلاة والسلام من الصور، وحذر من البدع؛ لأن البدع والصور من وسائل الشرك نسأل الله العافية، ولما أخبرته أم حبيبة وأم سلمة بالكنيسة التي رأتاها في الحبشة وما فيها من الصور، قال: ((أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله))، فأخبر عليه الصلاة والسلام أنهم شرار الخلق بسبب غلوهم في صالحيهم باتخاذ المساجد على قبورهم، وتصوير الصور عليها، وهكذا وقع في قوم نوح، فالإسلام انتشر بالدعوة فلما أبى قوم نوح إلا العناد والشرك ولم يستجيبوا لداعيهم نوح عليه الصلاة والسلام ألف سنة إلا خمسين عاماً أرسل الله عليهم الطوفان فأهلكهم عن آخرهم بالغرق إلا من كان مع نوح في السفينة، نسأل الله العافية.
وقوم هود هلكوا بريحٍ عقيم، وقوم صالح بالرجفة والصيحة حتى هلكوا عن أخرهم، هكذا عاقب الله كثيراً من الأمم بأنواع من العقوبات بسبب كفرهم وضلالهم وامتناعهم عن قبول الدعوة الإسلامية.
ثم شرع الجهاد في عهد موسى عليه الصلاة والسلام لنصر الحق وقمع الباطل، ثم شرع الله الجهاد على يد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على الوجه الأكمل، ونبينا عليه الصلاة والسلام لما بعثه الله مكث في مكة بضعة عشر عاماً يدعو إلى الله عز وجل ولم يكن هناك جهاد بالسيف ولكنه الدعوة والتبشير بالإسلام.
وقد أنكر قومه دعوته وآذوه وآذوا أصحابه ولكنه صبر على ذلك عليه الصلاة والسلام وكان مستترا بها أولا، ثم أمره الله بالصدع فأظهر الدعوة وصبر على الأذى، وهكذا أصحابه، وكان من السابقين إلى ذلك أبو بكر الصديق رضي الله عنه، سبق إلى الإسلام والدعوة، وخديجة رضي الله عنها، وعلي رضي الله عنه، وزيد بن حارثة، هؤلاء الأربعة هم السابقون إلى الإسلام والدعوة، ثم تابعهم الناس.
وكان الصديق رضي الله عنه شريفاً في قومه معظماً مألوفاً ذا معروف وإحسان وذا تجارةٍ ومال، وذا خلقٍ كريم، فكان يدعو إلى الله سراً ويبشر بالإسلام حتى أسلم على يديه جم غفير منهم: عثمان رضي الله عنه، والزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله، رضي الله عن الجميع. وأسلم جم غفير في مكة بالدعوة لا بقهر ولا بجهاد ولكن بالدعوة والتوجيه وقراءة القرآن وشرح محاسن الإسلام، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو ويقرأ عليهم القرآن ويبين لهم ما أشكل عليهم فيتقبلون الحق ويرضون به، ويدخلون في دين الله جل وعلا.
ثم انتشر الإسلام والدعوة إليه في القبائل والبادية والقرى المجاورة لمكة بسبب الدعوة، وبسبب ما يسمعونه من الصحابة الذين أسلموا وأجابوا النبي عليه الصلاة والسلام. وكان النبي عليه الصلاة والسلام يعرض نفسه على القبائل في موسم الحج كل عام يطلب منهم أن يجيبوه وأن يؤوه وأن ينصروه حتى يبلغ رسالة ربه عليه الصلاة والسلام، فلم يقدر الله سبحانه ذلك إلا للأنصار رضي الله عنهم وأرضاهم، فأجابه الأنصار واجتمعوا به عند الجمرة في المرة الأولى وكانوا ستة، دعاهم إلى الإسلام فأجابوا وقبلوا الحق وصاروا رسلاً إلى قومهم، فذهبوا إلى المدينة ودعوا إلى الله عز وجل، وبشروا بالإسلام فأجاب إلى الإسلام منهم بشر كثير، ثم قدم منهم في السنة الثانية اثنا عشر منهم الستة الأقدمون ومن جملتهم أسعد بن زرارة رضي الله عنه وجماعة كانوا من الخزرج سوى اثنين من الأوس وقيل ثلاثة، فاجتمعوا به عليه الصلاة والسلام أيضاً في وسط أيام التشريق وتلا عليهم القرآن وبايعوه على الإسلام، ثم رجعوا إلى بلادهم فدعوا إلى الله عز وجل وانتشر الإسلام في بيوت الأنصار إلا قليلا منهم، ودخل في دين الله جم غفير من الأنصار، ثم تعاقدوا على أن يطلبوا من النبي على أن يهاجر إليهم وأن ينقذوه من حال المشركين وأذاهم.
وكان قد بعث إليهم عليه الصلاة والسلام مصعب بن عمير بعد البيعة الأولى فكان يعلم ويرشد في المدينة، فكان يعلم الناس ويرشدهم، وأسلم على يديه جماعة كثيرة وانتشر الإسلام بسبب ذلك، ومن جملة من أسلم على يديه سيد الأوس سعد بن معاذ، والسيد الثاني من الأوس أسيد بن الحضير، وبسبب إسلامهما انتشر الإسلام في الأوس، وبسبب إسلام أسعد بن زرارة هو وسعد بن عبادة وجماعة من الخزرج انتشر الإسلام في الخزرج، وظهر دين الله هناك، ثم قدموا في السنة الثالثة، قدم منهم سبعون رجلاً من الأنصار، وقيل: ثلاثة وسبعون، وبايعوا النبي صلى الله عليه وسلم على الإسلام والنصرة والإيواء، وتم ذلك بحضرة عمه العباس رضي الله عنه، ثم شرع المسلمون في الهجرة إلى المدينة بإذنه عليه الصلاة والسلام، ثم هاجر عليه الصلاة والسلام إلى المدينة وقام بالدعوة إلى الله هناك ونشر الإسلام، وهكذا المسلمون الذين أسلموا من الحاضرة والبادية نشروا الإسلام بالدعوة ومن جملتهم أبو ذر الغفاري وعمرو بن عبسة السلمي وغيرهما.
ثم شرع الله الجهاد على أطوار ثلاثة:
أولاً أذن فيه، ثم أمروا أن يقاتلوا من قاتلهم ويكفوا عمن كف عنهم، ثم شرع الله الجهاد العام طلباً ودفاعاً، وهذه الأطوار باقية على حسب ضعف المسلمين وقوتهم، فإذا قوي المسلمون وجب عليهم الجهاد طلباً ودفاعاً، وإذا ضعفوا عن ذلك وجب عليهم الدفاع وسقط عنهم الطلب حتى يقدروا ويستطيعوا.
والمقصود من الجهاد كما تقدم هو نشر الإسلام وإخراج الناس من الظلمات إلى النور، وإزاحة العقبات من طريق الدعوة، والقضاء على العناصر الفاسدة التي تمنع الدعوة وتحول بين الدعاة إلى الله وتبيين مقاصدهم الطيبة، ولهذا شرع الله الجهاد لإزاحة العراقيل عن طريق الدعوة، ولإخراج الناس من الظلمات إلى النور، وانتشالهم من الباطل إلى الحق والهدى، وإخراجهم من ظلم الأديان وضيق الدنيا إلى سعة الإسلام وعدل الإسلام، ومضى على ذلك نبي الله عليه الصلاة والسلام وأصحابه الكرام وأتباعهم بإحسان حتى ظهر دين الله وانتشر الحق بالدعوة الصحيحة الإسلامية، وبالجهاد الذي يناصرها ويؤيدها إذا وقف في طريقها أحد، حتى أزاحوا الروم عن الشام، واستولوا على مملكة الفرس، وانتشر الإسلام في اليمن وغيره من أنحاء الجزيرة العربية بسبب الدعوة إلى الله والجهاد الصادق في سبيل الله، وأزيحت العقبات عن طريق الدعوة.
وبهذا يعلم أن انتشار الإسلام بالدعوة كان هو الأساس وهو الأصل، وأما الجهاد بالسيف فكان منفذا للحق وقامعاً للفساد عند وجود المعارضين الواقفين في طريق الدعوة. وبالجهاد والدعوة فتحت الفتوحات بسبب أن أكثر الخلق لا يقبل الدعوة بمجردها لمخالفتها لهواه، ولما في نفسه من حب للشهوات المحرمة ورياسته الفاسدة الظالمة، فجاء الجهاد يقمع هؤلاء ويزيحهم عن مناصبهم التي كانوا فيها عقبة كأداء في طريق الدعوة، فالجهاد مناصر للدعوة ومحقق لمقاصدها، ومعين للدعاة على أداء واجبهم.
والدعوة إلى الله سبحانه وتعالى على حالين:
إحداهما: فرض عين، والثانية: فرض كفاية، فهي فرض عين عند عدم وجود من يقوم باللازم كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذا كنت في بلد أو قبيلة أو منطقة من المناطق ليس فيها من يدعو إلى الله ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وأنت عندك علم؛ فإنه يجب عليك عيناً أن تقوم بالدعوة، وترشد الناس إلى حق الله، وتأمرهم بالمعروف، وتنهاهم عن المنكر.
أما إذا وجد من يقوم بالدعوة ويبلغ الناس ويرشدهم فإنها تكون في حق الباقين العارفين بالشرع سنةً لا فرضاً.
وهكذا الجهاد كله، فرض كفاية عند وجود من يكفي، فيسقط الجهاد والأمر والنهي والدعوة عن الباقين ويكون في حقهم سنة مؤكدة، وعند عدم وجود من يكفي يتعين الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله عليك حسب طاقتك وحسب إمكانك، كما قال تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ[28]، وقال جل وعلا: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا[29]، وقد قام الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم بالدعوة والجهاد بعد نبيهم عليه الصلاة والسلام قياماً عظيماً، فأبو موسى ومعاذ وعلي رضي الله عنهم بعثوا إلى اليمن في حياة النبي صلى الله عليه وسلم فقاموا بالدعوة هناك، ثم رجع معاذ في عهد الصديق، ورجع علي وأبو موسى في حجة الوداع، فقام خلفاؤهم بالدعوة هناك ونشر الإسلام.
وقام الصحابة الذين سافروا إلى العراق والشام بالدعوة إلى الله هناك ونشر الإسلام، ثم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم قاموا بالدعوة والجهاد والتعليم والتفقيه في الشام والعراق واليمن ومصر وغير ذلك، وفي شرق وشمال أفريقيا، ثم لم تزل الدعوة تنتشر في أفريقيا كلها، وفي الشرق والغرب كله، حتى ظهرت الدعوة وانتشرت في أقصى المغرب والمشرق.
وفي وقتنا هذا ضعف أمر الجهاد لما تغير المسلمون وتفرقوا وصارت القوة والسلاح بيد عدونا، وصار المسلمون الآن إلا من شاء الله لا يهتمون إلا بمناصبهم وشهواتهم العاجلة وحظهم العاجل، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فلم يبق في هذه العصور إلا الدعوة إلى الله عز وجل والتوجيه إليه، وقد انتشر الإسلام بالدعوة في هذه العصور في أماكن كثيرة في أفريقيا شرقها وغربها ووسطها وفي أوربا، وفي أمريكا وفي اليابان، وفي كوريا، وفي غير ذلك من أنحاء آسيا، وكل هذا بسبب الدعوة إلى الله، بعضها على أيدي التجار، وبعضها على أيدي من قام بالدعوة وسافر لأجلها وتخصص لها.
وبهذا يعلم طالب العلم ومن آتاه الله بصيرة أن الدعوة إلى الله عز وجل من أهم المهمات وأن واجبها اليوم عظيم لأن الجهاد اليوم مفقود في غالب المعمورة والناس في أشد الحاجة إلى الدعاة والمرشدين على ضوء الكتاب والسنة، فالواجب على أهل العلم أينما كانوا أن يبلغوا دعوة الله، وأن يصبروا على ذلك، وأن تكون دعوتهم نابعة من كتاب الله وسنة رسوله الصحيحة عليه الصلاة والسلام، وعلى طريق الرسول وأصحابه، ومنهج السلف الصالح رضي الله عنهم، وأهم من ذلك الدعوة إلى توحيد الله وتخليص القلوب من الشرك والخرافات والبدع؛ لأن الناس ابتلوا بالبدع والخرافات إلا من رحم الله، فيجب على الداعية أن يهتم بتنقية العقيدة، وتخليصها مما شابها من خرافات وبدع وشركيات، كما يقوم بنشر الإسلام بجميع أحكامه وأخلاقه، والطريق إلى ذلك هو تفقيه الناس في القرآن والسنة، فالقرآن هو الأصل الأصيل في دعوة الناس إلى الخير، ثم السنة بعد ذلك تفسر القرآن، وتدل عليه، وتعبر عنه، وتوضح معناه وتبينه، وخلق النبي صلى الله عليه وسلم يجب أن يتأسى المسلمون به ويقتدوا به عليه الصلاة والسلام، قال الله جل وعلا: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ[30]، قالت عائشة رضي الله عنها: (كان خلقه القرآن)، فالداعية إلى الله ينبغي له أن يهتم بالقرآن الكريم وأن يعنى به تلاوةً وتدبراً وقراءة على الناس وتوجيهاً لهم إليه؛ حتى يدرسوه ويتعلموه ويعملوا به. وهكذا السنة يعلمهم إياها ويبشرهم بها ويحثهم عليها، ويوضح سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وسيرة أصحابه حتى يسيروا على طريقهم الصالح وعلى نهجهم الطيب، وهذا هو الطريق والسبيل إلى نشر الإسلام، وتخليص الناس من الشرك والخرافات والبدع، وهو دعوتهم إلى الله وإرشادهم إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن على ضوء الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والطريقة السلفية التي سار عليها رسول الله عليه الصلاة والسلام، وسار عليها أصحابه الكرام وأتباعهم بإحسان.
وأسأل الله عز وجل أن يوفقنا جميعاً لما فيه رضاه، وأن يهدينا صراطه المستقيم وأن يمن علينا وعلى المسلمين جميعاً بسلوك طريق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وطريق أصحابه والثبات عليه والدعوة إليه والذب عنه والتحذير من خلافه.
كما نسأله سبحانه أن يصلح ولاة أمر المسلمين وأن يمن عليهم بالتوفيق والهداية، وأن يجمعهم وشعوبهم على الحق والهدى، وأن ينصر بهم الحق ويخذل بهم الباطل، وأن يقيم بهم علم الجهاد لنصر دين الله، الجهاد الصالح الشرعي حتى يكونوا دعاةً إلى الله ومرشدين إليه سبحانه وتعالى إنه جل وعلا جواد كريم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] سورة النحل الآية 36.
[2] سورة النساء الآية 165.
[3] سورة الأحزاب الآيتان 45 ، 46.
[4] سورة يوسف الآية 108.
[5] سورة يوسف الآية 108.
[6] سورة النحل الآية 125.
[7] سورة الأحزاب الآية 21.
[8] سورة النحل الآية 125.
[9] سورة النحل الآية 125.
[10] سورة العنكبوت الآية 46.
[11] سورة فصلت الآية 33.
[12] سورة فصلت الآية 33.
[13] سورة فصلت الآية 33
[14] سورة يوسف الآية 108.
[15] سورة التوبة الآية 119.
[16] سورة الأنفال الآية 46.
[17] سورة المائدة الآية 119.
[18] سورة الأنفال الآية 46.
[19] سور السجدة الآية 24.
[20] سورة السجدة الآية 24.
[21] سورة آل عمران الآية 19.
[22] سورة النحل الآية 91.
[23] سورة البقرة الآية 128.
[24] سورة يوسف الآية 101.
[25] سورة يونس الآية 84.
[26] سورة النمل الآية 44.
[27] سورة النحل الآية 36.
30 juin 2010
6 أسباب تجعل الإنترنت في مقدمة وسائل الدعوة إلى الله
أسباب تجعل الإنترنت في مقدمة وسائل الدعوة إلى الله
من بينها تجاوز حدود الجغرافيا واختصار الزمن ..
للإنترنت وجه آخر غير ما يشار إليه من تحطيم للحواجز وتجاوز للحدود . هناك حسب الإحصائيات نحو 150 مليون مستخدم لهذه التقنية في مختلف أنحاء العالم الأمر الذي يعتبره المهتمون فرصة مواتية وتاريخية لنشر الدعوة الإسلامية سيما وأن هناك الألوف ممن نطقوا الشهادة كان للإنترنت دور مهم في إسلامهم.
لم تنل وسيلة من وسائل نقل ونشر المعلومات في تاريخ البشرية ما نالته الإنترنت من سرعة في الانتشار والقبول بين الناس ، وعمق في التأثير في حياتهم على مختلف أجناسهم وتوجهاتهم ومستوياتهم ، وما يميز الإنترنت هو تنوع طبيعة المعلومات التي توفرها ، وضخامة حجم هذه المعلومات التي يمكن الوصول إليها دون عقبات مكانية أو زمانية ، وتتوقع الدراسات أن ينمو عدد المستخدمين إلى ما هو أكثر من 150 مليوناً في الأعوام القادمة فقد أصبح الناس اليوم ينظرون إلى الإنترنت على أنها المصدر الأول والمفضل للمعلومات والأخبار ، وقد يقال أن وسائل الإعلام التقليدية كالصحف والمجلات والإذاعات لن تلبث أن تنقرض على يد الإنترنت ، كما انقرضت ألواح الحجارة على يد ورق البردي وكما انقرض النسخ اليدوي للكتب على يد روتنبرج ، من الطبيعي أن زعماً جريئاً مثل هذا لا يمكن أن ينشأ من فراغ ولا بد أن تكون هناك أسباب قوية ووجيهة تستطيع بها الإنترنت أن تهدم إمبراطوريات إعلامية وجدت من قرون.
فيما يلي بعض الأسباب التي تجعل الإنترنت وسيلة إعلام واتصال المستقبل بلا منازع .
وبالتالي من أفضل وسائل الدعوة إلى الله ونشر الدين الإسلامية .
1- اللامكان :
تتخطى الإنترنت كل الحواجز الجغرافية والمكانية التي حالت منذ فجر التاريخ دون انتشار الأفكار وامتزاج الناس ، وتبادل المعارف ، ومن المعروف أن حواجز الجغرافيا منها اقتصادي (تكلفة شحن المواد المطبوعة من مكان إلى آخر) ومنها فكري وثقافي (حيولة بعض الدول دون دخول أفكار وثقافات معينة إلى بلادها) ، أما اليوم فتمر مقادير هائلة من المعلومات عبر الحدود على شكل إشارات إليكترونية لا يقف في وجهها شيء وفي ذلك نواح إيجابيةلا تعد ولا تحصى. والتي يمكن تجنيدها في قضية الدعوة .
2- اللازمان :
إن السرعة الكبيرة التي يتم بها نقل المعلومات عبر الشبكة تسقط عامل المعلومات عبر الشبكة تسقط عامل الزمن من الحسابات ، وتجعل المعلومة في يدك حال صدورها ، وتسوي بينك وبين كل أبناء البشر في حق الحصول على المعلومة في نفس الوقت وبالتالي فأنت تعيش في عصر (المساواة المعلوماتية).
3- التفاعلية :
تعودت وسائل الإعلام التقليدية أن تتعامل معك كجهة مستقبلة فقط ، ينحصر دورك في أن تأخذ ما يعطونك وتفقد ما لا يعطونك ، ولذلك فهم الذين يقررون ما تقرأ أو تسمع أو تشاهد أما في عصر الإنترنت فأنت الذي تقرر ماذا ومتى تريد أن تحصل عليه من معلومات ، وأكثر من ذلك فبإمكانك الآن من خلال منتديات التفاعل والحوار أن تنتقل من دور المستقبل إلى دور المرسل أو الناشر. وهذه نقلة تحصل لأول مرة وتمكن الناس من التحرك على أرض مستوية دون أن يطغى صوت أحدهم على الآخر ، ولهذا أهمية كبيرة بلا شك في الحوار الشرعي أو حوار الأديان ، وينبغي علينا كمسلمين إدراك ما تحمله هذه التقنية من دعم لقضية الدعوة.
4- المجانية :
وهي أمر لم يحصل تماماً بعد. لكنه سيحصل خلال السنوات القادمة ، حيث إن الكثير من الأنماط التجارية بدأت تتبلور لتمكن المجتمع من اعتبار خدمة الإنترنت من الخدمات الأساسية في الحياة والتي سيتم توفيرها للجميع بشكل مجاني أو شبه مجاني ، ومعروف اليوم في الغرب أنه بإمكانك أن تتصل بالإنترنت 24 ساعة يومياً مقابل مبلغ 20 دولاراً شهرياً ، وهو مبلغ رمزي حتى للطبقة المتوسط في كثير من المجتمعات ، الأمر الذي يجعل من الإنترنت الوسيط الذي يصل إلى أكبر عدد من شرائح المجتمع ولا سيما الفقيرة منها ، علاوة على ذلك تتمتع الإنترنت بميزة الربط الدائم ، حيث إنه ومع تطور التقنيات التي تمكنك من الاتصال بالإنترنت، لم تعد بالضرورة تقتصر على استخدامها من حسبك الشخصي في العمل أو المنزل ، بل أصبح بإمكانك أن تتصل بالشبكة من مجموعة كبيرة ومتنوعة من الأدوات كحاسبات الجيب والهواتف النقالة وحتى جهاز الثلاجة في المطبخ ، وبذلك ستكون على ارتباط دائم بالإنترنت في كل مكان وزمان ، تتابع الأخبار وتتسوق وتستدعي المعلومات المهمة في الوقت المناسب.
5- تنوع التطبيقات :
ما ذكرناه من أمثلة قليلة على استخدامات وفوائد الإنترنت ما هو إلا غيض من فيض ، إذ إن التطبيقات والخدمات التي تقدمها الشبكة تبلغ سعتها سعة الحياة فمن التطبيقات التعليمية والتربوية التي تخدم أطفالنا في تعلمهم واستكشافهم للعالم ، إلى الخدمات التي تسهل الاتصال كالبريد الإلكتروني وغرف الحوار ، إلى التطبيقات التجارية التي تحول العالم بأسره إلى سوق صغيرة يستطيع فيها البائع والمشتري إتمام صفقاتهم في لحظات ، إلى المواقع الإخبارية والمعلوماتية والأكاديمية والمرجعية التي تخدم الباحثين والمطلعين في شتى المجالات بإمكاننا نحن الدعاة المسلمين أن نعمل على صب كل هذه التطبيقات في بحيرة الدعوة ونشر ديننا الحنيف ، للاستفادة من هذه الإمكانات الهائلة التي توفرها لنا التقنية الحديثة يوماً بعد يوم.
6- سهولة الاستخدام :
لا تحتاج أن تكون خبيراً معلوماتياً أو مهندساً أو مبرمجاً حتى تستخدم الإنترنت ، ولا يحتاج رواد الشبكة إلى تدريبات معقدة للبدء باستخدامها ، بل إلى مجرد مقدمة في جلسة لمدة ساعة مع صديق يوضح له المبادئ الأولية للاستخدام.
لماذا الإنترنت ؟
لأنه أصبح بإمكانك إطلاع العالم بأسره وتعريفه بدينك الذي يقوم بعض الناس بتشويه صورته يومياً باستخدام تقنيات العصر ومنها (الإنترنت) إن هذه الأداة التي ألهم الله بها الإنسان ليخترق المسافات في سرعة البرق وليدخل بيوت الناس جمعياً بلا حواجز فرصة تاريخية للعاملين في مجال الدعوة إلى الإسلام وللحريصين على نشر كلمته ، ليصلوا إلى العالمين ويقولوا لهم هذا ديننا وهذه دعوتنا ، ويكونوا شهداء على الناس ، ويا لها من أمانة !!
فالله الله في الدعوة يا دعاة الإسلام .. !!
من مجلة الإصدار التعريفي ودليل المشاركين في المعرض الخامس لوسائل الدعوة في المدينة المنورة ..
من بينها تجاوز حدود الجغرافيا واختصار الزمن ..
للإنترنت وجه آخر غير ما يشار إليه من تحطيم للحواجز وتجاوز للحدود . هناك حسب الإحصائيات نحو 150 مليون مستخدم لهذه التقنية في مختلف أنحاء العالم الأمر الذي يعتبره المهتمون فرصة مواتية وتاريخية لنشر الدعوة الإسلامية سيما وأن هناك الألوف ممن نطقوا الشهادة كان للإنترنت دور مهم في إسلامهم.
لم تنل وسيلة من وسائل نقل ونشر المعلومات في تاريخ البشرية ما نالته الإنترنت من سرعة في الانتشار والقبول بين الناس ، وعمق في التأثير في حياتهم على مختلف أجناسهم وتوجهاتهم ومستوياتهم ، وما يميز الإنترنت هو تنوع طبيعة المعلومات التي توفرها ، وضخامة حجم هذه المعلومات التي يمكن الوصول إليها دون عقبات مكانية أو زمانية ، وتتوقع الدراسات أن ينمو عدد المستخدمين إلى ما هو أكثر من 150 مليوناً في الأعوام القادمة فقد أصبح الناس اليوم ينظرون إلى الإنترنت على أنها المصدر الأول والمفضل للمعلومات والأخبار ، وقد يقال أن وسائل الإعلام التقليدية كالصحف والمجلات والإذاعات لن تلبث أن تنقرض على يد الإنترنت ، كما انقرضت ألواح الحجارة على يد ورق البردي وكما انقرض النسخ اليدوي للكتب على يد روتنبرج ، من الطبيعي أن زعماً جريئاً مثل هذا لا يمكن أن ينشأ من فراغ ولا بد أن تكون هناك أسباب قوية ووجيهة تستطيع بها الإنترنت أن تهدم إمبراطوريات إعلامية وجدت من قرون.
فيما يلي بعض الأسباب التي تجعل الإنترنت وسيلة إعلام واتصال المستقبل بلا منازع .
وبالتالي من أفضل وسائل الدعوة إلى الله ونشر الدين الإسلامية .
1- اللامكان :
تتخطى الإنترنت كل الحواجز الجغرافية والمكانية التي حالت منذ فجر التاريخ دون انتشار الأفكار وامتزاج الناس ، وتبادل المعارف ، ومن المعروف أن حواجز الجغرافيا منها اقتصادي (تكلفة شحن المواد المطبوعة من مكان إلى آخر) ومنها فكري وثقافي (حيولة بعض الدول دون دخول أفكار وثقافات معينة إلى بلادها) ، أما اليوم فتمر مقادير هائلة من المعلومات عبر الحدود على شكل إشارات إليكترونية لا يقف في وجهها شيء وفي ذلك نواح إيجابيةلا تعد ولا تحصى. والتي يمكن تجنيدها في قضية الدعوة .
2- اللازمان :
إن السرعة الكبيرة التي يتم بها نقل المعلومات عبر الشبكة تسقط عامل المعلومات عبر الشبكة تسقط عامل الزمن من الحسابات ، وتجعل المعلومة في يدك حال صدورها ، وتسوي بينك وبين كل أبناء البشر في حق الحصول على المعلومة في نفس الوقت وبالتالي فأنت تعيش في عصر (المساواة المعلوماتية).
3- التفاعلية :
تعودت وسائل الإعلام التقليدية أن تتعامل معك كجهة مستقبلة فقط ، ينحصر دورك في أن تأخذ ما يعطونك وتفقد ما لا يعطونك ، ولذلك فهم الذين يقررون ما تقرأ أو تسمع أو تشاهد أما في عصر الإنترنت فأنت الذي تقرر ماذا ومتى تريد أن تحصل عليه من معلومات ، وأكثر من ذلك فبإمكانك الآن من خلال منتديات التفاعل والحوار أن تنتقل من دور المستقبل إلى دور المرسل أو الناشر. وهذه نقلة تحصل لأول مرة وتمكن الناس من التحرك على أرض مستوية دون أن يطغى صوت أحدهم على الآخر ، ولهذا أهمية كبيرة بلا شك في الحوار الشرعي أو حوار الأديان ، وينبغي علينا كمسلمين إدراك ما تحمله هذه التقنية من دعم لقضية الدعوة.
4- المجانية :
وهي أمر لم يحصل تماماً بعد. لكنه سيحصل خلال السنوات القادمة ، حيث إن الكثير من الأنماط التجارية بدأت تتبلور لتمكن المجتمع من اعتبار خدمة الإنترنت من الخدمات الأساسية في الحياة والتي سيتم توفيرها للجميع بشكل مجاني أو شبه مجاني ، ومعروف اليوم في الغرب أنه بإمكانك أن تتصل بالإنترنت 24 ساعة يومياً مقابل مبلغ 20 دولاراً شهرياً ، وهو مبلغ رمزي حتى للطبقة المتوسط في كثير من المجتمعات ، الأمر الذي يجعل من الإنترنت الوسيط الذي يصل إلى أكبر عدد من شرائح المجتمع ولا سيما الفقيرة منها ، علاوة على ذلك تتمتع الإنترنت بميزة الربط الدائم ، حيث إنه ومع تطور التقنيات التي تمكنك من الاتصال بالإنترنت، لم تعد بالضرورة تقتصر على استخدامها من حسبك الشخصي في العمل أو المنزل ، بل أصبح بإمكانك أن تتصل بالشبكة من مجموعة كبيرة ومتنوعة من الأدوات كحاسبات الجيب والهواتف النقالة وحتى جهاز الثلاجة في المطبخ ، وبذلك ستكون على ارتباط دائم بالإنترنت في كل مكان وزمان ، تتابع الأخبار وتتسوق وتستدعي المعلومات المهمة في الوقت المناسب.
5- تنوع التطبيقات :
ما ذكرناه من أمثلة قليلة على استخدامات وفوائد الإنترنت ما هو إلا غيض من فيض ، إذ إن التطبيقات والخدمات التي تقدمها الشبكة تبلغ سعتها سعة الحياة فمن التطبيقات التعليمية والتربوية التي تخدم أطفالنا في تعلمهم واستكشافهم للعالم ، إلى الخدمات التي تسهل الاتصال كالبريد الإلكتروني وغرف الحوار ، إلى التطبيقات التجارية التي تحول العالم بأسره إلى سوق صغيرة يستطيع فيها البائع والمشتري إتمام صفقاتهم في لحظات ، إلى المواقع الإخبارية والمعلوماتية والأكاديمية والمرجعية التي تخدم الباحثين والمطلعين في شتى المجالات بإمكاننا نحن الدعاة المسلمين أن نعمل على صب كل هذه التطبيقات في بحيرة الدعوة ونشر ديننا الحنيف ، للاستفادة من هذه الإمكانات الهائلة التي توفرها لنا التقنية الحديثة يوماً بعد يوم.
6- سهولة الاستخدام :
لا تحتاج أن تكون خبيراً معلوماتياً أو مهندساً أو مبرمجاً حتى تستخدم الإنترنت ، ولا يحتاج رواد الشبكة إلى تدريبات معقدة للبدء باستخدامها ، بل إلى مجرد مقدمة في جلسة لمدة ساعة مع صديق يوضح له المبادئ الأولية للاستخدام.
لماذا الإنترنت ؟
لأنه أصبح بإمكانك إطلاع العالم بأسره وتعريفه بدينك الذي يقوم بعض الناس بتشويه صورته يومياً باستخدام تقنيات العصر ومنها (الإنترنت) إن هذه الأداة التي ألهم الله بها الإنسان ليخترق المسافات في سرعة البرق وليدخل بيوت الناس جمعياً بلا حواجز فرصة تاريخية للعاملين في مجال الدعوة إلى الإسلام وللحريصين على نشر كلمته ، ليصلوا إلى العالمين ويقولوا لهم هذا ديننا وهذه دعوتنا ، ويكونوا شهداء على الناس ، ويا لها من أمانة !!
فالله الله في الدعوة يا دعاة الإسلام .. !!
من مجلة الإصدار التعريفي ودليل المشاركين في المعرض الخامس لوسائل الدعوة في المدينة المنورة ..
الدعوةالى الله في الإسلام
د. يوسف بن عبد الله التركي
إن الدعوة الى الله جزء من حياة المسلم اليومية في بيته ومع أسرته وفي عمله وطريقه ومع زملائه وفي جميع أحواله ، قال تعالى " ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين "
وإن من أعظم وسائل الدعوة الى الله السلوك العملي للداعية وثبات المسلم على مبادئه وأخلاقه التي هذبه بها دينه الإسلامي الحنيف ، فالطبيب المسلم يدعو الى الله بسلوكه قبل قوله لأن تأثير الأفعال أبلغ من الأقوال ، والإيمان كما هو معلوم ما وقر في القلب وصدقه العمل ، لذا فإن إلتزام الطبيب المسلم وإتقانه لعمله وحرصه الشديد على مرضاه وأدائه لما أوكل إليه من مهمات على أكمل وجه ومراقبة الله في ذلك ، وحسن تعامله مع مرضاه وزملائه ورؤسائه ومرءوسيه من أعظم الوسائل التي تأسر القلوب وتعطي صورة مشرقة للطبيب المسلم ، أما عندما يكون الطبيب المسلم مهملاً في عمله كسولاً لا يتقن ما أوكل إليه من مهمات فإن ذلك ينفر القلوب من حوله ولا يكون لدعوته تأثير على الآخرين .
وإن العودة لما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضوان الله عليهم أجمعين والتأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في دعوته وأخلاقه فهو القدوة لهذه البشرية قال تعالى " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً "
وهكذا يرى المسلم كيف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان خلقه القرآن سلوكاً عملياً في حياته اليومية في بيته ومع أزواجه رضوان الله عليهن أجمعين ومع أصحابه رضوان الله عليهم ، بل وحتى مع أعدائه من الكفار والمنافقين ، يتأدب بآدابه التي شرعها الله قال تعالى " وإنك لعلى خلق عظيم " وعن عائشة رضى الله عنها قالت " كان خلق نبي الله صلى الله عليه وسلم القرآن " رواه مسلم .
وعن أنس رضي الله عنه قال " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقاً " متفق عليه .
إن الدعوة الى الله تحتاج الى إخلاص العمل لله عز وجل وإصلاح النفس وتهذيبها وتزكيتها وأن يكون لدى الداعية فقه في الدعوة الى الله وفق منهج الله الذي شرعه لعباده ، وهذا الجانب يحتاج من الطبيب إلى التفقه في الدين في الأمور التي تواجهه في ممارساته اليومية ، وسؤال أهل العلم قال تعالى " فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون " ومجالسة العلماء وحضور بعض حلقات الذكر وطلب العلم في مجال التخصص .
ولكي نحاول أن نترجم أقوالنا إلى سلوكيات يومية في حياتنا فدعونا نبدأ هذا اليوم الجديد في حياة طبيب مسلم في بداية مشواره العملي ، وهو يذهب في الصباح الباكر إلى عمله في المستشفى أو المركز الصحي وهو يستشعر النية فينوي بعمله التقرب إلى الله وإعانة إخوانه المرضى ونفعهم ، فإنه بهذه النية الخالصة لله ينال بها أجري الدنيا والآخرة ، فإذا دخل المستشفى وشارك في اللقاء الصباحي لمناقشة الحالات المرضية لإخوانه المرضى فانه ينوي بذلك طلب العلم ، لإتقان هذه الأمانة ورفع كفاءته العلمية ، ومن ثم يكون هناك المرور على المرضى المنومين ، يستشعر بذلك نية زيارة المرضى فينال بذلك أجر عظيماً لزيارة المريض ، ومن ثم ينهمك الطبيب المسلم في عمله بكل جد وإخلاص وإتقان ، فيستمع الى مرضاه ويتواضع معهم ويعطف عليهم ، ويغض بصره عما حرم الله ، ويبذل قصارى جهده في علاجهم وفق المنهج العلمي الصحيح مع التوكل على الله ودعاء الله لهم بالشفاء .
والطبيب المسلم يتفقد أحوال مرضاه مع الطهارة وأداء الصلاة ،فإن بعض المرضى قد يجهل ذلك فيؤخر الصلاة عن وقتها أو يتكاسل عنها جهلاً منه بأحكام الطهارة والصلاة للمريض ، ولذا فإنه ينبغي توجيه المرضى لذلك برفق ولين وحسن أدب ، وهناك ولله الحمد والمنه الكثير من النشرات والكتيبات لعلمائنا الأفاضل وفقهم الله وغفر لهم عن أحكام طهارة وصلاة المريض والتي يمكن إهداءها للمرضى .
وعندما يرى الطبيب المسلم منكراً من المنكرات في المستشفى أو في محيط عمله أو في طريقه فإنه يتذكر واجباً شرعياً وركناً أساسياً وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيسعى في إنكار المنكر بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه بشرط أن يكون ذلك بالحكمة والموعظة الحسنة وإلتزام الرفق واللين والبعد عن الغلظة ورفع الأصوات وإثارة الآخرين ، وألا يترتب على ذلك مفسدة ، فالمسلم مأمور بالتوجيه والإرشاد وليس عليه تحقيق النتائج فإن التوفيق والهداية بيد الله عز وجل.
وهذا الجانب يحتاج إلى فقه الداعية في أساليب الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وألا تترك هذه إلى إجتهادات شخصية بل يجب أن يكون ذلك وفق أدب وأخلاق المسلم المتفقه في دينه الذي يدعو إلى الله على بصيرة، ولعل مما يساعد على ذلك ما أنشأته وزارة الصحة حديثاً من مكاتب دينية في المستشفيات للقيام ببعض هذه المهمات وفق أسس وأنظمة المستشفى حتى لا يترتب على ذلك مفاسد.
وعندما يحين موعد الآذان تجد الطبيب المسلم يقف وقفة قصيرة بدون أن يؤثر ذلك على عمله، مع كلمات الآذان فيرددها ويستشعر معانيها فتزكوا بذلك النفس وتزداد قوة وعزيمة لأداء الصلاة تلك الشعيرة العظيمة والمحطة الإيمانية التي ينبغي المحافظة عليها في أوقاتها مع جماعة المسلمين، والحرص على الصف الأول لما في ذلك من الأجر العظيم كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل النداء والصف الأول .
والطبيبة المسلمة ينطبق عليها ما ذكر ، مع أهمية أداءها لعملها بسكينة ووقار وحشمة بعيدة عن الاختلاط بالرجال ، متأدبة بكلامها ، وتصرفاتها ومتحجبة بالحجاب الشرعي الذي تتعبد الله به ، صابرة محتسبة الأجر من الله في تخفيف الآلام عن بنات جنسها ، فالطبيبة المسلمة داعية إلى الله بسلوكها وحسن أدبها مع بنات جنسها من المريضات والعاملات والممرضات ن تحب الخير للآخرين ، ذات روح ونفس زكية في تعاملاتها ، ومع ذلك فهي تحرص على التوازن في حياتها ، فلا يطغى جانب على أخر ، فتهتم بأسرتها وزوجها وأولادها مع إتقانها لعملها الطبي الهام .
وأؤكد أن الطبيبة المسلمة يجب أن تكون قدوة حسنة في التزامها بالحجاب الشرعي في محيط العمل لتكون بذلك داعية بسلوكها ، وعليها أن توجه أخواتها ممن تساهلن بالحجاب بالرفق واللين والموعظة الحسنة وان تبين لهن أن الحجاب عبادة لله عز وجل وليست قيداً أو عادة تضيق المرأة منها مع تذكيرهن بقوله تبارك وتعالى " وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم .... الآية " .
وهكذا تجد أن الطبيب المسلم والطبيبة المسلمة يدعو إلى الله من خلال سلوكها اليومي ، فالدعوة جزء هام من حياتهما يحتسبان الأجر فيهما من الله عز وجل قال تعالى " قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين "
والله أسال أن يوفق اخوتي وأخواتي من العاملين في المجال الصحي لما فيه الخير في الدنيا والآخرة ن وان يعيننا على إصلاح أنفسنا ، والدعوة إلى الله بالقول والعمل انه ولى ذلك والقادر عليه
وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
المصدر أطباء الحرمين
الطبيب الداعية
إن الدعوة الى الله جزء من حياة المسلم اليومية في بيته ومع أسرته وفي عمله وطريقه ومع زملائه وفي جميع أحواله ، قال تعالى " ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين "
وإن من أعظم وسائل الدعوة الى الله السلوك العملي للداعية وثبات المسلم على مبادئه وأخلاقه التي هذبه بها دينه الإسلامي الحنيف ، فالطبيب المسلم يدعو الى الله بسلوكه قبل قوله لأن تأثير الأفعال أبلغ من الأقوال ، والإيمان كما هو معلوم ما وقر في القلب وصدقه العمل ، لذا فإن إلتزام الطبيب المسلم وإتقانه لعمله وحرصه الشديد على مرضاه وأدائه لما أوكل إليه من مهمات على أكمل وجه ومراقبة الله في ذلك ، وحسن تعامله مع مرضاه وزملائه ورؤسائه ومرءوسيه من أعظم الوسائل التي تأسر القلوب وتعطي صورة مشرقة للطبيب المسلم ، أما عندما يكون الطبيب المسلم مهملاً في عمله كسولاً لا يتقن ما أوكل إليه من مهمات فإن ذلك ينفر القلوب من حوله ولا يكون لدعوته تأثير على الآخرين .
وإن العودة لما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضوان الله عليهم أجمعين والتأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في دعوته وأخلاقه فهو القدوة لهذه البشرية قال تعالى " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً "
وهكذا يرى المسلم كيف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان خلقه القرآن سلوكاً عملياً في حياته اليومية في بيته ومع أزواجه رضوان الله عليهن أجمعين ومع أصحابه رضوان الله عليهم ، بل وحتى مع أعدائه من الكفار والمنافقين ، يتأدب بآدابه التي شرعها الله قال تعالى " وإنك لعلى خلق عظيم " وعن عائشة رضى الله عنها قالت " كان خلق نبي الله صلى الله عليه وسلم القرآن " رواه مسلم .
وعن أنس رضي الله عنه قال " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقاً " متفق عليه .
إن الدعوة الى الله تحتاج الى إخلاص العمل لله عز وجل وإصلاح النفس وتهذيبها وتزكيتها وأن يكون لدى الداعية فقه في الدعوة الى الله وفق منهج الله الذي شرعه لعباده ، وهذا الجانب يحتاج من الطبيب إلى التفقه في الدين في الأمور التي تواجهه في ممارساته اليومية ، وسؤال أهل العلم قال تعالى " فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون " ومجالسة العلماء وحضور بعض حلقات الذكر وطلب العلم في مجال التخصص .
ولكي نحاول أن نترجم أقوالنا إلى سلوكيات يومية في حياتنا فدعونا نبدأ هذا اليوم الجديد في حياة طبيب مسلم في بداية مشواره العملي ، وهو يذهب في الصباح الباكر إلى عمله في المستشفى أو المركز الصحي وهو يستشعر النية فينوي بعمله التقرب إلى الله وإعانة إخوانه المرضى ونفعهم ، فإنه بهذه النية الخالصة لله ينال بها أجري الدنيا والآخرة ، فإذا دخل المستشفى وشارك في اللقاء الصباحي لمناقشة الحالات المرضية لإخوانه المرضى فانه ينوي بذلك طلب العلم ، لإتقان هذه الأمانة ورفع كفاءته العلمية ، ومن ثم يكون هناك المرور على المرضى المنومين ، يستشعر بذلك نية زيارة المرضى فينال بذلك أجر عظيماً لزيارة المريض ، ومن ثم ينهمك الطبيب المسلم في عمله بكل جد وإخلاص وإتقان ، فيستمع الى مرضاه ويتواضع معهم ويعطف عليهم ، ويغض بصره عما حرم الله ، ويبذل قصارى جهده في علاجهم وفق المنهج العلمي الصحيح مع التوكل على الله ودعاء الله لهم بالشفاء .
والطبيب المسلم يتفقد أحوال مرضاه مع الطهارة وأداء الصلاة ،فإن بعض المرضى قد يجهل ذلك فيؤخر الصلاة عن وقتها أو يتكاسل عنها جهلاً منه بأحكام الطهارة والصلاة للمريض ، ولذا فإنه ينبغي توجيه المرضى لذلك برفق ولين وحسن أدب ، وهناك ولله الحمد والمنه الكثير من النشرات والكتيبات لعلمائنا الأفاضل وفقهم الله وغفر لهم عن أحكام طهارة وصلاة المريض والتي يمكن إهداءها للمرضى .
وعندما يرى الطبيب المسلم منكراً من المنكرات في المستشفى أو في محيط عمله أو في طريقه فإنه يتذكر واجباً شرعياً وركناً أساسياً وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيسعى في إنكار المنكر بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه بشرط أن يكون ذلك بالحكمة والموعظة الحسنة وإلتزام الرفق واللين والبعد عن الغلظة ورفع الأصوات وإثارة الآخرين ، وألا يترتب على ذلك مفسدة ، فالمسلم مأمور بالتوجيه والإرشاد وليس عليه تحقيق النتائج فإن التوفيق والهداية بيد الله عز وجل.
وهذا الجانب يحتاج إلى فقه الداعية في أساليب الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وألا تترك هذه إلى إجتهادات شخصية بل يجب أن يكون ذلك وفق أدب وأخلاق المسلم المتفقه في دينه الذي يدعو إلى الله على بصيرة، ولعل مما يساعد على ذلك ما أنشأته وزارة الصحة حديثاً من مكاتب دينية في المستشفيات للقيام ببعض هذه المهمات وفق أسس وأنظمة المستشفى حتى لا يترتب على ذلك مفاسد.
وعندما يحين موعد الآذان تجد الطبيب المسلم يقف وقفة قصيرة بدون أن يؤثر ذلك على عمله، مع كلمات الآذان فيرددها ويستشعر معانيها فتزكوا بذلك النفس وتزداد قوة وعزيمة لأداء الصلاة تلك الشعيرة العظيمة والمحطة الإيمانية التي ينبغي المحافظة عليها في أوقاتها مع جماعة المسلمين، والحرص على الصف الأول لما في ذلك من الأجر العظيم كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل النداء والصف الأول .
والطبيبة المسلمة ينطبق عليها ما ذكر ، مع أهمية أداءها لعملها بسكينة ووقار وحشمة بعيدة عن الاختلاط بالرجال ، متأدبة بكلامها ، وتصرفاتها ومتحجبة بالحجاب الشرعي الذي تتعبد الله به ، صابرة محتسبة الأجر من الله في تخفيف الآلام عن بنات جنسها ، فالطبيبة المسلمة داعية إلى الله بسلوكها وحسن أدبها مع بنات جنسها من المريضات والعاملات والممرضات ن تحب الخير للآخرين ، ذات روح ونفس زكية في تعاملاتها ، ومع ذلك فهي تحرص على التوازن في حياتها ، فلا يطغى جانب على أخر ، فتهتم بأسرتها وزوجها وأولادها مع إتقانها لعملها الطبي الهام .
وأؤكد أن الطبيبة المسلمة يجب أن تكون قدوة حسنة في التزامها بالحجاب الشرعي في محيط العمل لتكون بذلك داعية بسلوكها ، وعليها أن توجه أخواتها ممن تساهلن بالحجاب بالرفق واللين والموعظة الحسنة وان تبين لهن أن الحجاب عبادة لله عز وجل وليست قيداً أو عادة تضيق المرأة منها مع تذكيرهن بقوله تبارك وتعالى " وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم .... الآية " .
وهكذا تجد أن الطبيب المسلم والطبيبة المسلمة يدعو إلى الله من خلال سلوكها اليومي ، فالدعوة جزء هام من حياتهما يحتسبان الأجر فيهما من الله عز وجل قال تعالى " قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين "
والله أسال أن يوفق اخوتي وأخواتي من العاملين في المجال الصحي لما فيه الخير في الدنيا والآخرة ن وان يعيننا على إصلاح أنفسنا ، والدعوة إلى الله بالقول والعمل انه ولى ذلك والقادر عليه
وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
المصدر أطباء الحرمين
الطبيب الداعية
Inscription à :
Articles (Atom)